باكاري سامبي، منشورات نيرفانا، 2024، 159 ص.
هذا الكتاب الصادر منذ مدة، هو للمحلل والخبير السنغالي باكاري سامبي، يقدم عبر فصوله الأربعة رؤية لتاريخ وطبيعة العلاقات بين المغرب وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء. يقول المؤلف بمقدمة الكتاب: "إن تحليل التواجد التاريخي للمغرب في إفريقيا جنوب الصحراء، والذي يفسر مشاركته المعاصرة الكبيرة، فضلا عن تأثيره عبر القارة، يمثل الإشكالية الأساسية لهذا العمل". إن هذه العلاقة بنظر الكاتب، إنما تمثل امتدادا للمشترك التاريخي الذي يميزها.
ويضيف المؤلف أن هذا الكتاب في شقه التاريخي، إنما يركز على "استمرار تجذر المملكة في البيئة الإفريقية مع الاستفادة، في الوقت نفسه، من مصادر عربية يبدو أنها لم تستغل إلا قليلا حتى الآن". بيد أن "الدبلوماسية الواقعية للمغرب، تمكنت، خلال فترات مهمة من علاقاته مع إفريقيا، من جعل جميع موارده مجتمعة وسيلة تأثير مستدامة".
يقف الكاتب، في الفصل الأول من الكتاب، عند "البعد التاريخي لهذه العلاقة والتفاعلات العابرة للصحراء التي من خلالها منح المغرب لنفسه دورا إفريقيا يرتكز، في جزء كبير منه، على قوة الرموز الدينية وعلى الطريقة التي نجحت المملكة دائما في جعلها رافعة فعالة في انتشارها القاري".
يقول الكاتب: "بالنسبة لي، كان من المهم للغاية رؤية كيف تمكن هذا البلد من الاعتماد على ما يمكن أن نسميه الموارد الثقافية والدينية والروحية الرمزية لبناء دبلوماسية ليست مصلحية، بل دبلوماسية إعادة توحيد الروابط المشتركة”، مؤكدا أن هذه الجوانب تسمح للعلاقات بين المغرب ومجموع بلدان القارة السمراء، لاسيما تلك الواقعة في غربها، بمقاومة التغيرات السياسية والسياق الدولي.
في الفصل الثاني، يركز المؤلف على الثوابت الدينية أو الروحية التي "تشكل قاعدة دائمة تمكنت الرباط بفضلها من بناء علاقة خاصة مع بقية دول القارة. وقد سمحت هذه العلاقة بضمان الاستمرارية سواء في مضمونها أو توجهاتها الرئيسية، بما في ذلك خلال الحقبة الاستعمارية، من خلال شبكات الطرق الصوفية"، والزيارات التي تقوم بها الوفود الدينية المغربية للسنغال مثلا، ناهيك عن زيارة العديد من العلماء والفقهاء الأفارقة للمغرب.
يقول المؤلف: إن المغرب هو "أرض المنبع الروحي بالنسبة للعديد من الأفارقة، ولا سيما بفضل الطريقة التيجانية الذي تشهد على تقاسم واضح للهوية الدينية، والتي يجب الدفاع عنها في مواجهة التطرف".
في الفصل الثالث، يتناول الكاتب ما يسميه ب "المرحلة الإستراتيجية البارزة" لسياسة المغرب الإفريقية، حيث شرع في "تحويل طابعه التاريخي الرمزي لاستكشاف الاقتصاد والأسواق في عصر تنويع الشراكات بالقارة". ويتابع: إن "هذه العملية تسارعت مع اعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس العرش، وكانت ذروة هذه العملية هي العودة الكبيرة داخل الهيئات الإفريقية، التي دشنت حقبة، من البراغماتية الدبلوماسية، الى عصر الرهانات الاقتصادية والجيو استراتيجية الجديدة على إفريقيا".
في الفصل الرابع، يقف الكاتب عند آفاق الدور المغربي بإفريقيا، والتي "أضحت تتوفر على وضع جديد من خلال التطورات الجيوسياسية الأخيرة"، لا سيما على مستوى "الطريقة التي تفرض بها المملكة نفسها تدريجيا كجسر جيو/استراتيجي، في خضم روافد ومنافسات جديدة، وكيف أصبحت إفريقيا بالنسبة للمغرب المحور الذي يمكن أن يسمح له بلعب دور دولة الجسر".
ويخلص للقول بأن "الثقة المتبادلة التي تربط المغرب بباقي البلدان الإفريقية، يجب تقويتها على المستوى الاقتصادي، من خلال تعزيز الشراكات الاستراتيجية في مختلف المجالات...لأن إفريقيا ستكسب كل شيء مع مغرب قوي يضطلع بدور الجسر".