إمطانس شحادة وحسام جريس، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، رام الله، 2013، 105 ص.
يقول الكاتبان ببداية هذا الكتاب: "تعتبر السيطرة على الأرض الفلسطينية وتطهيرها من السكان الأصليين جوهر الفلسفة التي انتهجتها الصهيونية العالمية منذ نشوء الفكرة الأولى لتوطين اليهود في فلسطين، وتابعتها إسرائيل بعد قيامها ولغاية الآن".
ويتابعان: "رافق عمليات الاستيلاء على الأراضي عملية تغيير ديمغرافي، ففي جميع حالات الاستيلاء كانت تجلب أعداد من اليهود من مختلف أنحاء العالم، لتحل محل السكان العرب الفلسطينيين، وبهذا ضمان لتفوق ديمغرافي يهودي".
يبين تاريخ الاستيطان الإسرائيلي في المناطق المحتلة ومراجعة مواقف القيادات الإسرائيلية على تنوعها، ووضوح أهمية استمرار الاحتلال الإسرائيلي لمناطق الضفة الغربية، وأهمية الاستيطان في رؤية كافة القيادات الإسرائيلية، مع اختلاف التكتيك، إذ "تجمع كافة القيادات والأبحاث والتصريحات على أن الأهمية القومية والعسكرية والديمغرافية والدينية والاقتصادية والسياسية للمستوطنات مشتركة لدى غالبية التيارات السياسية والحزبية الصهيونية، وهو ما يعني عبثية الحديث عن تفكيك طوعي للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وهو ما يتضح عند الكشف عن حجم الدعم المالي والميزانيات الحكومية المخصصة للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، والتي حولت هذه المستوطنات إلى دولة رفاه جاذبة ليس فقط لفئات أيديولوجية يمينية بعينها، بل لفئات شعبية واسعة تنتمي إلى شتى ألوان القوس".
يقر الباحثان بوجود سياسة اقتصادية خاصة بالاستيطان تختلف عن السياسة الاقتصادية العامة لدولة إسرائيل. ففي حين "تدعي حكومات إسرائيل تراجع دورها ووظائفها الاقتصادية، وتوكل إلى قوى السوق إدارة الاقتصاد والنمو، وتوكل إلى السلطات المحلية في إسرائيل تجنيد مصادر دخل ذاتي، وتتراجع عن تقديم قسم من الوظائف الاجتماعية والخدماتية العامة، فإننا نلاحظ أنها تقوم بهذه الوظائف في المستوطنات، بل وتتكفل بغالبية الخدمات العامة، ولا تقيس المصاريف وفق مبادئ الجدوى الاقتصادية أو العقلانية الاقتصادية أو حسابات الربح والخسارة المالية. أي أنها مستعدة لدفع ثمن اقتصادي ومالي بغية تحقيق أهداف قومية".
يلاحظ الكاتبان أن الحرب الإسرائيلية على ثلاث دول عربية، في العام 1967 ، أنشأت "واقعا سياسيا وديمغرافيا وأمنيا/عسكريا جديدا في الشرق الأوسط؛ إذ أفضت الحرب إلى احتلال إسرائيل أراضيَ عربية واسعة موزعة على ثلاث مناطق جغرافية: الجولان السوري، سيناء المصرية، الضفة الغربية
وقطاع غزة. وبعد احتلال الأراضي الفلسطينية، في العام 1967، بدأت سلطات الاحتلال عمليات
استيطان في الأراضي العربية المحتلة تركزت بشكل رئيس في منطقة القدس ومنطقة الأغوار في
الضفة الغربية، ونقلت إليها أعدادا من السكان اليهود، وصادرت عشرات الآلاف من الدونمات
بموجب قانون أملاك الغائبين الذي سن للاستيلاء على أراضي الفلسطينيين الذين لم يتواجدوا
أو طردوا من الأراضي المحتلة حتى العام 1967".
لقد بدأ إنشاء المستوطنات الإسرائيلية بعد انتهاء حرب 1967 ، ويعتبر منذ تلك الفترة هدفا قوميا تلتقي حوله الاتجاهات والقوى السياسية كافة في إسرائيل، وفي حال وجود خلافات أو تباين في السياسات والتي تظهر أحيانا بين الأحزاب الحاكمة، خاصة بين حزب العمل الإسرائيلي وتحالف الليكود، فإنها ليست خلافات على المبدأ، وإنما على الكيفية والكمية التي سوف تضم من تلك الأراضي والسيطرة عليه".
يلاحظ الباحثان أن العمليات الاستيطانية في الأراضي العربية المحتلة قد اتخذت بعد صعود تكتل الليكود إلى الحكم، في 17 / 5/ 1977 ، طابعاً هجوميا، وبدأت تجري ضمن "إستراتيجية مختلفة تماما عن الإستراتيجية التي تبناها حزب العمل سابقا. فبعد أن كانت المستوطنات تقام تحت ستار الاعتبارات الأمنية، تغيرت الدوافع واختلطت بأسباب تاريخية وعقائدية، حيث رفع تكتل الليكود اليميني شعار أرض إسرائيل المحررة وحق جميع أفراد الشعب الإسرائيلي في الاستيطان في كل جزء منها، وذلك من أجل خلق كثافة سكانية يهودية للحيلولة دون إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقبلا في تلك الأراضي.
لقد قفزت وتيرة الاستيطان خطوات نوعية بعد معاهدة "السلام" المصرية الإسرائيلية وبعد اتفاقيات
أوسلو ومعاهدة السلام الإسرائيلية الأردنية. ومن ثم انتقل الاستيطان إلى الطور الحربي "الجدار
والبرج" بعد الانتفاضة الثانية.
يلاحظ الكاتبان أن سياسة الاستيطان لدى حزب الليكود تنطلق من مبدأ أن حق الشعب اليهودي في أرض إسرائيل غير قابل للطعن، لذا فإن الحزب يعارض أي اقتراح يترتب عليه تقسيم أرض إسرائيل المحررة، لذلك طالب الحزب بفرض السيادة الإسرائيلية على المناطق المحررة.
أما الإجماع حول الاستيطان وبناء المستوطنات، وأهميته للمشروع الصهيوني وكونه يشكل حالة بنيوية في المشروع الصهيوني، فقد تقوى أكثر فأكثر في فترة ما بعد بدء عملية التفاوض بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية وتوقيع اتفاقيات أوسلو، ومن ثم التوقيع على اتفاقية سلام مع الأردن.
لقد "شكلت هذه الاتفاقيات نقطة مفصلية في عملية الاستيطان، وزادت وتيرة الاستيطان عدة أضعاف، على الرغم من أن أحد أسس التفاوض كان حل الدولتين، على الأقل نظريا، ما يعني ولو نظريا من منظور فلسطيني، تفكيك المستوطنات في نهاية العملية التفاوضية. إلا أنه وعلى أرض الواقع قامت إسرائيل منذ بداية عملية التفاوض بتوسيع الاستيطان وتعميقه وتقوية المشروع الاستيطاني سياسيا أيضا".
ازدادت وتيرة تحول الاقتصاد الإسرائيلي، منذ منتصف الثمانينيات، "من كونه أشبه ما يكون بالاشتراكي الجماعي الاستيطاني، إلى نمط الاقتصاد الرأسمالي، اقتصاد السوق. وبرزت جهود خصخصة الشركات الحكومية، وتنازل الدولة عن الدور المركزي في إدارة الاقتصاد، وكشف الاقتصاد على الأسواق الدولية، وتسليم قسم كبير من إدارة الاقتصاد والنمو لقوى السوق والقطاع الخاص".
عمق بنيامين نتنياهو بعد صعوده إلى الحكم، في العام 1996 ، هذا التوجه، وحوله إلى "سياسة
مركزية. إن الفكرة المركزية في طرح نتنياهو هي مبدأ السوق الحر. فوفق نتنياهو يمكن تبرير وتفهم العهد الاشتراكي في اقتصاد إسرائيل في العقود الأولى لقيام الدولة، بمنطق ضرورة تدخل الدولة بهدف استيعاب الهجرة لتثبيت أقدام الدولة. ومنذ الستينيات لم تعد هناك حاجة كهذه، ولذلك على الدولة أن تتخلص من هذه الأسلوب ومن الإشراف الحكومي القوي على الجهاز الاقتصادي. يجب اتخاذ كل الإجراءات للتخلص من اشتراكية حزب العمل وشعبوية الليكود، والعمل على دخول إسرائيل نادي الاقتصاد الحر".
تعرف المستوطنات كافة على أنها مناطق أفضلية قومية نمتح تسهيلات مالية وضريبية عديدة في مجالات جمّة. لكن هناك أمرين يجدر الانتباه إليهما فيما يتعلق بالمستوطنات: الأول أن المستوطنات تحصل على هذه الامتيازات دون الأخذ بالحسبان الوضع الاقتصادي والاجتماعي. والثاني وهو الأهم أن المستوطنات تحصل على ميزانيات وتسهيلات إضافية تفوق تلك الحاصلة عليها لكونها مناطق أفضلية قومية.
يؤكد المؤلفان أن الحالة الاقتصادية لسكان المستوطنات ليست سيئة أو متدنية مقارنة مع بقية الأقاليم، فهي أفضل من أوضاع سكان ألوية الشمال والجنوب والقدس، ومنخفضة بعض الشيء مقارنً بلواء المركز وتل أبيب. لكن لا يمكن القول إن سكان المستوطنات فقراء أو بحالة اقتصادية متدنية، بل تتمتع معظم المستوطنات بوضع اقتصادي واجتماعي جيد وتشمل العديد منها ضمن قائمة البلدات الغنية.
لقد دفعت إسرائيل خلال الخمس والأربعين سنة من احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة مبلغ 60 مليار دولار (حوالى 230 مليار شيكل)، ويشمل ذلك إقامة المستوطنات وتطويرها، نشر الجيش وإقامة الثكنات العسكرية في المناطق المحتلة لحماية هذه المستوطنات، نفقات مدنية تصرف على المستوطنات وكذلك خسائر الناتج القومي وغيرها من التكاليف. وقُدّرت التكلفة المدنية للمستوطنات بحوالي 14 مليار دولار حتى الآن، حوالى 52.5 مليار شيكل.
قامت حكومات إسرائيل، ولا تزال "باتباع سياسة منهجية مشجعة لهجرة المواطنين الإسرائيليين
إلى الضفة الغربية. من أجل ذلك، قامت هذه الحكومات بمنح مكافآت ومحفزات اقتصادية مباشرة
للمواطنين أو للسلطات المحلية اليهودية، وذلك من أجل رفع مستوى حياة هؤلاء المستوطنين
بغرض تشجيع الهجرة للمستوطنات".
يحصل المستوطنون وفقا للقوانين الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية المحتلة على "تسهيلات وهبات ضريبية عديدة، منها ما هو للمستوطنين بشكل مباشر ومنها للقطاع الصناعي أو الاقتصادي الفاعل في المستوطنات، كون المستوطنات تعرف كمناطق أفضلية قومية ومناطق مواجهة. إذ "يحصل السكان القاطنون في مناطق أفضلية قومية على تخفيضات في ضريبة الدخل المدفوعة من قبلهم. تعطى هذه التخفيضات من أجل جذب المواطنين للسكن في مناطق أفضلية قومية".
إن الجهود الجمة التي استثمرتها إسرائيل في «مشروع الاستيطان» سواء كانت مالية، قضائية أو بيروقراطية، "حولت المستوطنات إلى جيوب مدنية في مناطق وأراض خاضعة للحكم العسكري، وحولت المستوطنين لذوي مكانة مفضلة تنعكس فيما تنعكس بتحويل الأموال إلى هذه المستوطنات".