شلومو زند، مدارات للأبحاث والنشر، 2024 (ترجمة للعربية) 184 ص.
شلومو زند هو أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب، وهو صاحب كتاب "اختراع الشعب اليهودي". ولد من أبوين يهوديين بولنديين، أفلتا من الهولوكوست، فاعتنقا الشيوعية وكرها الإمبريالية، ثم رفضا تعويضات ألمانيا عن المعاناة التي عايشاها أثناء الحرب العالمية الثانية.
في سنة 1948، انتقل الكاتب مع عائلته لمدينة يافا بفلسطين. منذ سنة 1982، بدأ زند في التنقل بين جامعة تل أبيب وجامعة كاليفورنيا ومدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية في باريس.
في الكتاب الذي بين أيدينا، يتساءل الكاتب: هل اليهود عرق خالص؟ وما أصول كراهية اليهود؟ وهل معاداة الصهيونية كراهية لليهود ومعاداة للسامية؟
يميز الكاتب بين كراهية اليهود بوصفهم أبناء دين، وبين معاداة الصهيونية، و"مناهضة ممارسات دولة إسرائيل الوحشية والإجرامية ضد الفلسطينيين وانتهاجها نظاما للفصل العنصري". كما يستعرض خلفيات كراهية اليهود في أوروبا، وكيف أنها شملت مختلف التيارات والاتجاهات الفكرية، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. بيد أنه يلاحظ أن انحسار ظاهرة كراهية اليهود في أوروبا قد تم تعويضها تدريجيا بكراهية الإسلام.
يقف المؤلف عند ما يقوله علماء الأنثروبولوجيا عن انحدار اليهود من عرق واحد، لا سيما قول ريمون أرون من أن "السواد الأعظم ممن يطلق عليهم اليوم باليهود لا ينحدرون بيولوجيا من نسل أسباط سامية". وينقل أقوال بعض مفسري التوراة التي تدل على أن اليهودية ليست عرقا ولا يمكن أن تكون كذلك، إذ "ليس اسم عرق وإنما اسم اختيار، أسلوب وطريقة حياة. فإذا قبل إنسان ما، أجنبي ليس من أمة اليهود، منهاج اليهود وتهود، فإن هذا الإنسان يسمى يهوديا بشكل واضح".
هل اليهود شعب عرق مشتت أم جماعات دينية؟... يرد الكاتب بأنه "لا يوجد أي إثبات أو دليل على استئصال الرومان لسكان يهودا استئصالا مؤثرا، أو أنهم قاموا بتهجيرهم طوعا أو كرها من أرضهم"...إذ "لن نجد في التوثيق الروماني الغني ولو إشارة واحدة إلى حدوث أيه عملية نفي من أرض يهودا".
أما عن صورة اليهودي التي ترسخت عبر الزمن في المخيلة الأوروبية/المسيحية، فيلاحظ المؤلف أنها "تقوم على اليهودي المرابي، الذي يحصل الثراء من الإقراض بالربا في حين أن الكنيسة تعلن في رسالتها عن أن اليهودية صنو الربا، والربا أمر مستنكر". ومع ذلك، فقد تعرض اليهود لكراهية "مجموعة من النخب الفكرية والأدبية والفنية الأوروبية، منهم إيراسموس ولوثر وفولتير...الخ". ثم يستشهد بالفيلسوف كانط وكيف أنه وصف اليهود بأنهم غرباء غير أوفياء لأوروبا.
أما عن حالة نبذ اليهود داخل القارة الأوروبية، فللمؤلف موقف مباشر: لقد "أسهمت حقيقة أن أوروبا التي باتت قومية أكثر فأكثر، قد أصبحت في الوقت نفسه أكثر رأسمالية. وحيث إن بعض الأسر اليهودية، قلة قليلة من يهود أوروبا، برزت في هذا التنافس الكبير في تركيز رؤوس الأموال المصرفية الضخمة سواء في بريطانيا، أم في فرنسا أم في ألمانيا، فإن هذا البروز قد اقترن جيدا بتراث العداء المسيحي للإقراض بالربا منذ عصر ما قبل الحداثة".
أما عن الصهيونية، فيلاحظ المؤلف أن "الاستعمار البريطاني الذي وضع الحركة الصهيونية على خارطة الدبلوماسية الدولية، فإن عملية الإبادة النازية هي ما مكن الحركة الصهيونية من تحقيق حلمها بصورة جزئية". بيد أنه يؤكد أن "الألمان لم يكرهوا اليهود بشكل أكبر من كراهية البولنديين أو الأوكرانيين لهم...لكن لم تخترع في أوساط البولنديين أو الأوكرانيين، آلة إبادة فعالة كل هدفها هو محو أناس أحياء بشكل ممنهج معتمدة على إنجازات تكنولوجيا القرن العشرين.
من جهة أخرى، يقف الكاتب عند رؤية ماهية اليهود، وكيف وصل الأمر إلى أن "تغدو التوراة هي المعيار الوحيد للهوية اليهودية"، وأن تصنيف اليهود عرقيا عن طريق اختلاق أصل جيني يهودي، هو أمر "متوهم"، لدرجة يصفه بأنه احتيال علمي زائف. من هنا النتيجة التي يخلص إليها: "لا يمكن حتى الآن، تحديد من هو اليهودي ومن هو غير اليهودي بناء على نتائج الحمض النووي".
بالتالي، فهو يعتبر أن "إثبات أن أصل يهود العالم مشترك، وأنهم يشكلون أمة واحدة، نفيت قبل ألفي عام"، بيد أن "حقها في أرض إسرائيل لا جدال فيه". لكنه يقر أيضا أنه "سيكون من السخف أن نطالب الفلسطينيين، بألا يكونوا معادين للصهيونية، وهم يعيشون تحت احتلال واستيطان متواصل ينفذ باسم الرؤية الصهيونية ويرى في الأماكن التي يقيمون بها وطنا للشعب اليهودي".