Aller au contenu principal

"منطق ابن خلدون" (3/3)

علي الوردي، دار كوفان، لندن، 1994، 292 ص.

عندما يتحدث ابن خلدون عن العصبية، فهو يعني "تلك الرابطة الاجتماعية التي تربط أبناء القبيلة، أو أية جماعة أخرى، بعضهم إلى بعض، وتجعلهم يتعاونون ويتكاتفون في السراء والضراء".

تكون العصبية قوية كل القوة في البداوة، فتسبب هناك التنازع بين القبائل المختلفة. تتجه هذه القوة نحو البلاد المتحضرة لتؤسس الدولة الجديدة. فتبدأ العصبية بالضعف من جراء انغماس أصحابها في ترف الحضارة. فيلجأ الساسة الجدد لجنود مأجورين للدفاع عن دولتهم، لكن هؤلاء لا يستطيعون الصمود دائما تجاه "الموجة الجديدة الآتية من البادية والمشحونة عصبية واندفاعا".

في حديثه عن العرب، يلاحظ الكاتب أن ابن خلدون تحدث عنهم بوصف فيه كثير من الذم والانتقاص. يقول ابن خلدون إن "العرب إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب...إن المباني التي يختطها العرب يسرع إليها الخراب"...الخ.

عندما يصف العرب بالتوحش، فإن ابن خلدون لا يروم ذمهم، بل توصيفهم فقط، لا سيما البدو منهم، سكان الصحراء، البعيدين عن الحضارة.

أما بالنسبة للقضايا الفقهية، فيرى الكاتب أن ابن خلدون لم ينظر إليها من خلال المنطق الصوري السائد، بل بالاحتكام إلى واقعها الاجتماعي، معملا بذلك المنطق المادي لا الصوري.

في مسألة الملك، يلاحظ الكاتب أن الفقهاء اعتادوا التمييز بين الملك وبين الخلافة، فاعتبروا الأول شرا والثانية خيرا. لذلك، حصروا الخلفاء في أربعة واعتبروا من خلفهم مجرد خلفاء عاديين أو أشباه ملوك، إعمالا لقول الرسول (ص): "الخلافة ثلاثون سنة، ثم تعود ملكا".

أما ابن خلدون، فقد اعتبر أن الملك لا يمكن أن يكون خيرا أو شرا، بل هو كغيره من الظواهر الاجتماعية قد يكون خيرا وقد يكون شرا، تبعا للناحية التي ينظر منها إليه.

يقول ابن خلدون: "واعلم أن الشرع لم يذم الملك لذاته، ولا حظر القيام به، وإنما ذم المفاسد الناشئة عنه من القهر والظلم والتمتع باللذات".

ويلاحظ ابن خلدون أن الخليفة لا يجب بالضرورة أن يكون صاحب كفايات علمية أو خلقية، بل أن يكون صاحب غلبة وعصبية تجعله يفرض نفسه بالقوة.

بخصوص مسألة السند التي ينطلق منها الفقهاء، على اعتبار أن الراوي إذا كان تقيا صادقا، كان الحديث صحيحا لا غبار عليه، فقد كان لابن خلدون موقفا آخر منها: "إنه لا يهتم بسند الحديث بمقدار اهتمامه بموافقة الحديث لمقتضيات الاجتماع البشري"...إذ الأمر الشرعي قلما يكون مخالفا للأمر الوجودي، بنظره.

بالتالي، "فرب حديث يعده المحدثون والفقهاء ضعيفا، بينما هو في رأيه قوي، ورب حديث قوي عندهم هو ضعيف عنده".

أما بخصوص طاعة السلطان، فيلاحظ الكاتب أن هذه الدعوة كانت أمرا مقبولا في صدر الإسلام، إلا أن الفقهاء أجمعوا تدريجيا على "تحريم الثورة وعلى وجوب طاعة ولي الأمر مهما كان ظالما أو فاسقا".

أما ابن خلدون، فقد كان له رأي آخر، إذ رأى أن من لديه العصبية والقوة يستطيع الخروج عن السلطان. أما من لا تتوافر لديه، "فالأولى به الجلوس في بيته والتجنب عن إثارة الفتنة والفوضى وسفك الدماء".

العصبية عند ابن خلدون ركن وشرط أساس لتأسيس الدولة وقيام الخلافة. إنها بنظره أهم القوانين الاجتماعية.

ومع أن الإسلام يذم العصبية ويعتبرها من الجاهلية، فإن ابن خلدون لم يستسغ ذلك، إذ اعتبرها من مستلزمات الحياة الاجتماعية، لا بل وقد اعتمد عليها النبي (ص) لحماية الإسلام.

Vous pouvez partager ce contenu