نبيل فوزات نوفل، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2023، 207 ص.
يقول المؤلف في مقدمة كتابه: "لقد شهدت المجتمعات البشرية تطورات وأحداثا، بعضها كان له أثر إيجابي والآخر سلبي، وكان لقوى الإمبريالية التلمودية دور بشع وقبيح أثر على مسيرة الشعوب التنموية والحضارية، فزادها فقرا، بل دمارا وتقسيما. وأمام ذلك، ليس أمام أحرار الأمة إلا النهوض والتصدي وترصد هذا التوحش القادم من الدول الاستعمارية، بقيادة الإمبريالية الأميركية لتعرية أهدافها وخططها ووسائلها".
الفكرة الأساسية لهذا الكتاب هو أن حكومات الخراب هذه إنما تعمل على "منع تطور بعض الدول والشعوب، وتؤسس دولا وكيلة لها في أماكن مختلفة، لتسخرها في خدمة مشاريعها، فتمارس القهر والاستغلال وتخريب الثقافة والاقتصاد، ونشر الفكر المتخلف والإرهاب التكفيري".
وحكومات الخراب التي يعنيها الكاتب، هي تلك "الدول التي تمارس الاحتلال، والسطو على ثروات الشعوب، ونهب خيراتها، والقتل والإرهاب وتدمير ثقافتها وحضارتها، وتسعى للتدخل في شؤونها الداخلية، ورسم مسارات حياتها بما يتوافق ومصالحها الذاتية في مجالات الحياة المختلفة، ومنعها من امتلاك التقنيات المتطورة لتبقى متخلفة وتابعة وتحت هيمنتها".
ويلاحظ الكاتب أن لهذه الدول حكومات خراب تابعة لها، "والتي هي صنيعة حكومات الخراب، و تابعة لها، ومنفذة لمصالحها، ووكيلة لها في نهب شعوبها، وتسخيرها في خدمة مشاريع هذه الحكومات، حيث مارست القهر والاستغلال، والتخلف ضد شعبها، وتنشر الفكر المتخلف، ولا ترعى العلم والثقافة، لكي تبقي شعوبها جاهلة خاضعة فقيرة". وهذه الحكومات تعمل لإدراك ذات الغرض، على تطبيق "سياسات اقتصادية رسمت خطوطها العامة حكومات الخراب الكبرى".
ينقسم الكتاب إلى خمسة فصول كبرى. بالفصل الأول ("حكومات الخراب الكبرى")، يتحدث الكاتب عن حروب حكومة الخراب الكبرى الجديدة، أي غير التقليدية "التي تعتمد على القتل البطيء وتدمير الدول دون تكاليف. فهي تعتمد على أن يقتل الخصم أو الجهة المستهدفة نفسها بنفسها، فتقتل العدو بماله ودمه".
ولعل أهم أسلحة هذه الحرب تكمن في وسائل الإعلام بأصنافها المختلفة، والتي تعمل على تدمير العقل العربي وتجهيله وتسطيحه، ثم تحييده بالمحصلة النهائية.
في الفصل الثاني، يتحدث الكاتب عن القوى التي تستخدمها حكومة الخراب العالمية الكبرى في حربها ضد الأمة العربية والشعوب الإسلامية، "وهما حكومتا الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة وتركيا من خلال العثمانية الجديدة التي يقودها اليوم حزب العدالة والتنمية، الذي هو أداة تنفيذ لمشاريع الغرب الاستعمارية متلحفا بعباءة الإخوان المسلمين".
في الفصل الثالث، يقف الكاتب عند "الفكر العربي والحداثة والتنوير في مواجهة حكومات الخراب". يعيب الكاتب هنا على بعض مفكري الحداثة العرب، قصور نظرتهم لأنهم لا يقدمون رؤية "متناسبة مع واقعنا العربي وثقافتنا وقيمنا وتعطي الأولوية للعقل". من هنا مطالبته بضرورة الاستثمار في العقل والكفاءات الشابة والعمل على "توطينها في وطننا بدل استنزافها وهجرتها"، وذلك من خلال الاستثمار في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، ورفع المستوى المادي للباحثين، وخاصة في البحوث الاستراتيجية والتقنية.
في الفصل الرابع يتحدث المؤلف عن الروافد التي من شأنها حمل هذه القضايا وترجمتها على أرض الواقع، فيقف عند "الأحزاب السياسية في الوطن العربي ودورها في مواجهة مشاريع حكومات الخراب"، من خلال تعزيز ثقافة المسؤولية في المجتمع، ثم تحصينه من مظاهر الخلل والفساد والهدر.
بيد أن هذا يستوجب برأي الكاتب، وجود قائد استراتيجي "نظرا لأهمية القادة في حياة الشعوب ودورهم في النهوض بمجتمعاتهم، من خلال ما يملكونه من فكر استراتيجي يجنب الأمة المخاطر ويستثمر طاقاتها بالشكل الذي يجعلها مهابة الجانب عزيزة مكتفية ذاتيا". من هنا توقف المؤلف عند إشكالية "الهوية والانتماء و ماهية القومية"، ثم "العوامل التي تساهم في تقويتها والعوامل التي تضعفها، ودور الهوية في تعزيز الانتماء".
في الفصل الخامس (" نحو إعلام عربي جديد")، يعتبر الكاتب أن الإعلام هو "أهم الأسلحة التي تستخدمها القوى الاستعمارية للسيطرة على الشعوب ونهب ثرواتها وتدميرها، تحت ما يسمى حروب الجيل الرابع والخامس، التي تعتمد على الحرب الإعلامية وتشويه الحقائق واغتصاب عقول الناس وتشويهها، من خلال حرفها عن الحقائق وإغراقها في قضايا عدمية تزيدها ضعفا وتخلفا وتمزقا، ليسهل السيطرة عليها".
بالخلاصة العامة، يرى المؤلف أن "كل هذه المشاكل والأحداث سببه سياسة أميركا والغرب من أجل استغلال هذه الشعوب وتفكيكها اجتماعيا، وخلق مستوطنات فكرية وسياسية واقتصادية وفئوية وترسيخها، لضرب كل فكر جامع ومانع للشر".
بالمقابل، على الدول التي تناهض أميركا "أن تتعاون وتتكاتف مع بعضها البعض، في مواجهه هذه الحكومات المرتبطة بها، لأنها تمتلك قوة الثقافة والحضارة، ولديها قدرات مالية وثروات هائلة، التي تهدر من خلال نشوب هذه الحروب وإثارة النعرات الطائفية العشائرية".