عبد الغني عماد، مراصد 20، القاهرة، 2013، 84 ص.
بتقديم هذا الكتاب، نقرأ التالي: "لم يكن دور الشيعة في لبنان يمثل هذه الأهمية التي يحتلها اليوم، ولم يكن بالتالي يستقطب ذلك الكم من الدراسات والاهتمام الإعلامي والسياسي، ليس على الصعيد المحلي والإقليمي فقط، بل أيضا على الصعيد الدولي. وهو اهتمام أخذ بالازدياد والتوسع خلال الحرب الأهلية في لبنان وما نتج عنها من تضخم لدور الميليشيات من جهة، ولاحتلال الجنوب اللبناني من قبل جيش الاحتلال الصهيوني، من جهة ثانية".
ويتابع: هذا لا يعني أن دور الشيعة في لبنان كان هامشيا، بقدر ما كان ناقصا على مستوى التمثيل السياسي، وبالتالي على مستوى ما يقدم لهم من خدمات ومرافق عامة في مناطق صنفت بأنها الأكثر فقرا وحرمانا.
الواقع اللبناني بعد الاستقلال كرس هذا التفاوت بين الطوائف والمناطق، ورفع من مقام الطرح الطائفي، لا سيما وأن التفاوتات ازدادت تعمقا واتساعا. في هذا السياق، جاء موسى الصدر إلى لبنان في العام 1959، ليرفض هذا الواقع، ويعمل على معالجته، فاصطدم في حينه مع القيادات التقليدية القائمة بالبلاد.
ومع ذلك، فقد أوجد الصدر أطرا تنظيمية جديدة لأبناء الطائفة الموزعين على أحزاب عقائدية مختلفة، ومنها الأحزاب الفلسطينية. كما أوجد أنشطة اقتصادية واجتماعية وأقام العديد من الجمعيات والمراكز الثقافية والدينية والخيرية.
وعندما انتظم الشيعة في إطار "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى"، ترأسه موسى الصدر، لكنه لم يكن يحمل نفسا طائفيا، بل "كان يتكلم من منطلق وطني وباسم كل الطوائف" المحرومة والمعرضة للتهميش.
في العام 1975، أعلن عن تأسيس حركة "أمل" كذراع عسكري، لكنه مستقل عن المجلس أعلاه. في العام 1978، حدث الاختفاء الغامض للإمام الصدر اثناء زيارة رسمية لليبيا. وقد أدى اختفاؤه إلى "تفاقم الشعور بالاستهداف والمظلومية عند الشيعة".
بعد ذلك، برزت زعامات لها وزنها، كانت تنادي بالمقاومة المسلحة ضد إسرائيل، ومنها الشيخ محمد مهدي شمس الدين ومحمد حسين فضل الله.
في العام 1982-1985، ولد "حزب الله"، لكن هذا الأخير لم يقبل باعتباره حزبا بالمعنى الشائع. بل "كان يعتبر الأمة بكاملها إطارا للحزب".
في العام 1985، أصدر الحزب بلاغ التأسيس، حيث تضمن إخراج إسرائيل وأميركا وفرنسا من لبنان، وأن يختار اللبنانيون نظام الحكم الذي يرتضوه.
يؤكد الحزب في ميثاقه، إلى أنه لا يعتمد قراره السياسي سوى من الفقيه، و"الفقيه ليس فيه صفة جغرافية، بل فيه صفة شرعية".
كان الشيخ راغب حرب ثم عباس الموسوي اللبنة الأولى للحزب، إلا أنهما اغتيلا من لدن إسرائيل بضعة أشهر فيما بعد. من حينه، تحول الحزب إلى حركة مقاومة جهادية لا هوادة فيها، اندمج في صلبها، المجتمع اللبناني في اغلبيته ليفرز انتصار العام 2000.
أما عن مرجعيته، فيقول الحزب: "بما أن العمل ضمن بلد ما يرتبط بخصوصياته وظروفه، فإن عمل حزب الله يوائم بين إسلامية المنهج ولبنانية المواطنة".
يعتبر حزب الله مسألة الجهاد في سبيل الله، إحدى الواجبات السياسية في الدين كالصلاة والصوم والحج وغيرها..."فالجهاد باب للحياة وليس بابا للموت".
بالتالي، فإن الحزب إنما يتأسس كبنية عقائدية "على مرجعية الإسلام، من خلال نظرية ولاية الفقيه. لذلك، فهو حزب شيعي يؤمن بالجمهورية الإسلامية وفق النموذج الإيراني، معتمدا الجهاد مرجعية فكرية وفقهية وتربوية، والتكليف الشرعي منهجا وسلوكا وإطارا ضابطا للأفراد والجماعة".
لذلك، فإن مقاومته لإسرائيل إنما هي بمثابة تكليف شرعي له، بل هي "المحور الوحيد غير القابل لأي شكل من أشكال المسايرة والتساهل".