تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

"التسامح ومنابع اللاتسامح"

ماجد الغرباوي، الحضارية للطباعة والنشر، بغداد 2008، 162 ص.

بمقدمة هذا الكتاب، نقرأ التالي: "التسامح ضرورة حياتية، تبقى الحاجة قائمة لها مادام هناك إنسان يمارس العنف والإقصاء والتكفير، ويرفض التعايش السلمي مع الآخر المختلف، أيا كان الاختلاف ثقافيا أو دينيا أو سياسيا".

ويتابع: إن "الحاجة إلى التسامح تشتد مع اتساع رقعة التنوع الإثني والديني، لامتصاص تداعيات الاحتكاك بين القوميات والثقافات والأديان، والخروج بها من دائرة المواجهة إلى مستوى التعايش والانسجام".

بيد أن المؤلف يلاحظ أن التسامح لا يمكن أن يتحقق بسهولة. إنه يحتاج إلى مراس طويل "يخفف الإنسان خلاله من حدة غلوائه وتطرفه واعتداده بنفسه". ويحتاج إلى عودة متأنية للذات من أجل نقدها وتمحيص بناها الفكرية "لاستنبات أنساق قيم التسامح الجديدة".

ويعطي المؤلف نموذج العراق، فيرى أن المشهد الدموي الذي انطلق منذ العام 2003، يبين أن هناك مخزونا قيميا مكبوتا"، انطلق ليعبر عن خصوصية الذات في ظل هامش الحرية". هذا المخزون خضع لرؤية انتقائية متحيزة، هدفها "تحصين الذات عبر تكفير الآخر".

ويعبر هذا المشهد الدموي أيضا عن ركائز بنية فكرية وعقيدية، تستنبت الكراهية وتنبذ الآخر وتشعر بالفوقية والتفوق العرقي.

ويقر الكاتب بأن "ما نشاهده اليوم من مظاهر عنف واحتراب يستدعي العودة إلى الذات لمراجعتها ونقدها، والوقوف على مواضع الخلل فيها لتقويمها ومعالجتها، ثم الارتكاز على قيم جديدة تستبعد الكراهية والحقد، وتنفتح على قيم الإنسانية والدين".

وهذا يتطلب الغوص في أعماق الفكر والعقيدة بحثا عن جذور المشكلة، أي "ينبغي البحث عن الدوافع الحقيقية وراء ثقافة الموت والاستهانة بالحياة وتكفير المجتمع، وتقصي المفاهيم المسؤولة عن صياغة البنى الفكرية والمعرفية لعدوانية المرء تجاه الآخر، أيا كان الآخر، داخليا أم خارجيا، دينيا أم سياسيا".

بالتالي، يتابع المؤلف، فإن التسامح "ليس مجرد مفهوم يراد استنباته ضمن النسق القيمي للمجتمع، وإنما هو نسق ثقافي وفكري وعقيدي مغاير، له آلياته في العمل، وأسلوبه في التأثير ومنهجه في التفكير وطريقته في الاشتغال. فلا يمكن سيادة قيم التسامح ما لم تكتمل جميع مقدماته".

ويلاحظ أيضا أنه بحلول التسامح، ستظهر "مواقف جديدة بعد اختفاء ما كان يترتب على التشدد والتعصب واللاتسامح والعنف من مواقف سياسية واجتماعية، تقضي دائما إلى تأزم العلاقات، ثم الدخول في متاهات الحروب والعداء".

ويتساءل الكاتب: "أليس الأجدر بالإنسان أن يكون متسامحا، وهو يعلم ضعفه وكثرة أخطائه وتجاوزه على حقوق الآخرين؟ ويعلم أيضا أنه ليس معصوما في سلوكه وأعماله، ولم يكن صائبا في كل خطوة من خطواته، وطالما يصدر عنه ما يكدر صفوة الأخوة والوئام بحماقاته وتوتراته النفسية ومكابراته وإصراره على الباطل وعدم التراجع عن الخطأ؟".

ويختم بالقول: "كلنا ضعفاء وميالون للخطأ، لذا دعونا يسامح بعضنا البعض، ونتسامح مع جنون بعضنا البعض بشكل متبادل، وذلكم هو المبدأ الأول لقانون الطبيعة، المبدأ الأول لحقوق الإنسانية كافة".

يمكنكم مشاركة هذا المقال