تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

في الانتقال الديموقراطي المغشوش بالمغرب""

من الاستقلال إلى اليوم، كانت المسألة الديموقراطية بالمغرب هي "أم المسائل"...كان الصراع على السلطة محتدما بين طرفي "المعادلة"، الملكية من جهة والحركة الوطنية من جهة أخرى، لأن التدافع كان يطال جوهر وطبيعة النظام السياسي، أكثر ما كان يعني مظهره أو تجلياته.

كان الصراع في البدء عنيفا، رأى الطرف الأول فيه مزايدة على الشرعية، فيما رأى الثاني أن ترتيب مستقبل ما بعد الاستقلال، لا بد أن يمر بتوافق الإرادات، لا بفرض إرادة أحادية، بدعوى احتكامها على شرعية لا يحق لأحد أن يزايد على موقعها أو ينازعها المقام.

هو صراع امتد لأكثر من ثلاثة عقود، لكنه سرعان ما خف أواخر تسعينات القرن الماضي، على محك من التراضي والتوافق والتناوب على السلطة، أو هكذا قيل. قيل تحديدا، إن البلد موشك على "سكتة قلبية" مؤكدة، وإنه لا بد من تكاثف جهود الكل لتجنبها أو على الأقل للتخفيف من أضرارها. وقيل إن النزاع على السلطة قد طال، ولم يفرز بالمحصلة، إلا ضياعا للفرص وتبذيرا للجهد، فوجب التجاوز على ما مضى، من باب دفع المصلحة ودرء المفسدة. وقيل أيضا إن التناوب على السلطة إنما هو مدخل الانتقال إلى "الخاتمة الديموقراطية"، التي هي الهدف المبتغى الذي لا خلاف حوله.

هذه الخلفية هي التي حكمت "أطروحة" الانتقال الديموقراطي بالبلاد. كان مؤداها أنه لا بد من إيجاد مناخ، دستوري وسياسي، يمهد لنقطة الوصول، يؤمنها ويحصنها ويقيها من الارتداد. وبما أن الديموقراطية خيار لا رجعة فيه، أو هكذا قيل، فلا مجال للتسرع ما دامت المسألة تستوجب الاختمار والتدرج في تصريف الآليات.

بيد أن انفراط "العقد" في العام 2002، و"الخروج عن المنهجية الديموقراطية" الذي تلاه، كان إيذانا صريحا وواضحا بالتراجع عن التوافق المتفق بشأنه. فانحسر المسلسل، وانحسرت معه تلقائيا حرارة خطاب الانتقال الديموقراطي، لا بل تمت الاستعاضة عنه، بشعارات أخرى أكثر بريقا، كان أقواها على الإطلاق شعار "المفهوم الجديد للسلطة" الذي أطلقه الملك الجديد مباشرة بعد وصوله للحكم.

 جرت من تاريخه انتخابات عدة، لكن نتائجها لم تلزم الحاكم، ولم تؤشر على مبدأ الانتقال الذي راهن عليه الفاعلون السياسيون للتداول على السلطة.

 وعلى الرغم من أن مستجدات دستور العام 2011، قد بشرت بدولة قانون ومؤسسات، ونصت جهارة على فصل السلط والاحتكام للصناديق في التداول على السلطة، فإن المخرجات بعد عشر سنوات من "التجريب"، كانت دون مستوى الوثيقة. فقد تمت إعادة مركزة السلطة من جديد، وتم خلط الأوراق بين الأحزاب، حتى حار المرء في تمييز "الموالي" من "المعارض".

يبدو الأمر، طيلة العشرين سنة الماضية، ولكأننا عدنا للنقطة الصفر، حيث ركنت الإشكالية الديموقراطية إلى أدنى السلم، وتم تعويضها بخطاب هجين، من خصائصه الكبرى، تبخيس النقاشات الكبرى، والنكوص عن مبدأ التباري والتنافس قياسا بناء على تدافع المشاريع المجتمعية المقترحة.

ويبدو الأمر، بالبناء على ذلك، أننا بتنا بإزاء مشروع واحد هو الذي يجب الاعتداد به، واختيار الموقع من بين ظهرانيه لا من خارجه أو على أطرافه. ودليل ذلك أن كل الأحزاب وجدت نفسها ولا تزال، معفية من إيجاد البدائل أو التفكير في الحلول. إذ نجدها تتبنى نفس النغمة، عليها تقوم، بها تستنفر "قواعدها"، وبها تدخل حلبة الانتخابات. حتى إذا ما حصلت على الأغلبية العددية بالانتخابات، تجتهد في تنزيل ما هو مرسوم من فوق، ولا تبدي حدا أدنى من الممانعة في تطبيق "المشروع الواحد"، الذي أضحى خط السير الوحيد.

موقع عروبة 22، 7 فبراير 2024

https://ourouba22.com/article/1947-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D9%82%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%85%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B7%D9%8A-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%B1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A6%D9%84%D8%A9

يمكنكم مشاركة هذا المقال