8 يناير 2024
جنوب إفريقيا تنوب عن العرب والمسلمين في مقاضاة إسرائيل...لربما لأنها الدولة الوحيدة التي ذاقت مرارة الاضطهاد والإبادة الجماعية والتطهير العرقي، شعرت بما يتعرض له الفلسطينيون، فتطوعت لتقاضي الاحتلال بالنيابة عنهم...أدركت ألا أحدا بمقدوره أن ينوب عن هذا الشعب المنكوب، الذي لا تجمعها معه لا حدود ولا رابطة عرق ولا وحدة لغة أو دين، فما بالك بمعزوفة "المصير المشترك"...أي مصير مشترك تستطيع أن ترفعه بعد اليوم، تلك السلسلة من أصحاب الفخامة والعظمة التي دخلت الجحور كالجردان...تخفوا جميعا وسط حريمهم وغلمانهم ومنافقي السوء من حولهم، في انتظار أن تهدأ العاصفة...ستهدأ حتما، لكن عدواها ستصيبهم في اليوم التالي، حتى وإن احتموا خلف بروجهم المشيدة الواهنة... سيدركون حينها كم كانت المقاومة فرصة من ذهب، كي يستردوا بعضا من كرامة لطخها تطبيع ماسخ، تسابقوا صفوفا لركوب قطاره... لكن عمى قلوبهم، ثم بصرهم وبصيرتهم، لم تسعفهم لفهم ما يجري وتقدير ما هو آت.
10 يناير 2024
تتحدث حنا أرندت عن "الحق في الحصول على الحقوق"...وهو فصل طويل عريض ضمن مؤلفها الشهير "أصول الكليانية"...يثيرني في هذا الفصل، التمييز الدقيق الذي يحيل عليه هذا "الحق": ثمة من جهة، حقوق إنسان تضعها الدول والحكومات الوطنية، فتختزل بذلك حقوقا كونية في أبعاد مواطنة خالصة، لتتحول حقوق الإنسان الكونية إلى مجرد حقوق مواطنة محلية، وثمة من جهة أخرى مواطنة تحيل على "الوطنية"، لكن ارتباطها بهذه الأخيرة ينزع عنها صفة الكونية...من يجب إذن أن يقود الآخر، الوطني أم الكوني في حقوق الإنسان؟...الوطني يحيل بمنظور حنا أرندت على الوطنية ومن ثمة على الكليانية، فيما يحيل الثاني (أي الكونية) على الأمبريالية...هذا ما يجري أمام أعيننا اليوم، بالتمام والكمال.
11 يناير 2024
قرأت، وأنا أتابع أطوار محاكمة إسرائيل هذا الصباح، أن جنود الاحتلال الإسرائيلي لا يدمرون الشجر والحجر في غزة والضفة فحسب...إنهم يسرقون أموال الناس ومدخراتهم وأوانيهم وكل ما يحصلون عليه...تقدر عملية السرقة في غزة وحدها، منذ بدأت الحرب عليها، بحوالي 30 مليون دولار...هم لصوص و"حرامية" متمرسين...في أواخر تسعينات القرن الماضي، حضرت ندوة بعمان في الأردن بفندق القدس الدولي...سألت عن سياحة "الإسرائيليين" في حينه بعد اتفاق وادي عربة...أجابوني: هؤلاء ليسوا سياحا...إنهم لصوص حقيقيون...إنهم يسرقون كل شيء هنا...حتى أواني وصحون وأفرشة واللوحات الفنية بالغرف لا يترددون في سرقتها...تأكدت من وقته أن من يسرق وطنا كاملا من بين يدي أهله، لن يتردد في سرقة كل شيء... أي شيء.
11 يناير 2024
الصهيونية فكرة...لكنها تحولت مع الزمن إلى حركة سياسية...تقول الحركة بضرورة تجميع اليهود في مكان واحد...وتقول الفكرة بحق هؤلاء في هذا المكان، اختيرت له بعدما تقوت الحركة، أرض فلسطين...كل من يؤمن بهذا الحق، حق اليهود الكامل والمطلق في أرض فلسطين، هو بالمحصلة صهيوني...ليس من الضرورة أن يكون يهوديا...أبدا...قد يكون يهوديا أو مسيحيا أو مسلما أو بوذيا أو لادينيا حتى...المهم هو الإيمان بالفكرة...من الطبيعي والحالة هاته، أن يكون ضمننا الآلاف ولربما الملايين، ممن هم أكثر صهيونية من اليهود...وقد تجد الآلاف من اليهود لا يؤمنون بذات الحق لأسباب عقدية، ينبذون الصهيونية ويحاربونها...ولذلك، فطالما بيننا من يؤمن بذرة حق لإسرائيل في أرض فلسطين، فهو صهيوني، لكنه لا يشعر...أو لا يدرك.
13 يناير 2024
لا أفهم السر خلف التحامل على مصر في علاقتها مع الفلسطينيين، وفي ظل الحرب على غزة تحديدا...مصر هي الرئة الوحيدة المتبقية، أقول الوحيدة، التي يتنفس بها الفلسطينيون...هي نافذتهم على العالم، في ظل ذاك السجن المفتوح الذي أقامه الاحتلال الإسرائيلي وأمعن في تلغيم مداخله ومخارجه...مصر تقوم بما تستطيع...لا ينكر دورها إلا جاحد أو قليل الأصل...حتى عندما تضيق السبل بالفلسطينيين ويتبرم عنهم العالم أجمع، لا يجدون إلا حضن مصر...هي التي تجمعهم وتأويهم وتعمل على التقريب بين وجهات نظرهم...الفلسطينيون يدركون ذلك جيدا، وبالتأكيد أكثر منا، نحن الراجمون بالغيب، "القارئون للفناجين من بعيد"...لذلك لن تجد فلسطينيا عاديا واحدا، فما بالك بزعماء الفصائل أو بأركان المقاومة، يوجهون أصبع الاتهام لمصر، أو يرمونها بالتقصير، أو يلمحون إلى احتمال "تورطها" في حسابات قد تضرهم...لا تحملوا مصر أكثر مما تحتمل...ولا تصدقوا تلك الأكاذيب التي يروجها الاحتلال بأن مصر هي المتحكمة في معبر رفح، وهي التي تمنع دخول المساعدات لأهل غزة...أهل مصر أكبر بكثير من هذه الأفعال...أنا هنا لا أشخص...أنا أحذر من ألسنة السوء التي تدفع بجهة سد شرايين تلك الرئة، التي لولاها لاختنق الفلسطينيون جميعا وأولهم أهل غزة.