تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

"المؤسسة الملكية والسياسة الخارجية للمغرب"

راجي جواد، المركز الديموقراطي العربي، برلين، 2022، 140 ص.

ينطلق الكاتب، بمقدمة هذا البحث الجامعي، من تعريف عام، لكنه متوافق بشأنه عموما، يرى أن السياسة الخارجية هي "مجموعة من السلوكيات الرسمية المتميزة، التي يتبعها صانعو القرار الرسميون في الحكومة أو من يمثلهم، والتي يقصدون بها التأثير في سلوك الوحدات الدولية الخارجية".

السياسة الخارجية مرتبطة إذن بفاعلين رسميين، يصوغونها وينفذونها بأدوات شتى وبموارد ومهارات ضرورية لتحقيق أهدافها ومراميها.

ويلاحظ الكاتب، في حالة المغرب، أن دستور العام 2011 قد خص الفاعلين في السياسة الخارجية بأدوار واختصاصات متنوعة ومتفاوتة، لكنه أفرد للمؤسسة الملكية حصة كبيرة من هذه الاختصاصات، لا بل منحها مركز الصدارة على باقي المؤسسات.

أما دور رئاسة الحكومة، فيكاد يكون منعدما اللهم إلا جانب التداول في الاتفاقيات الدولية قبل عرضها على المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك. أما وزير الخارجية، فدوره تنفيذي خالص، إذ "لا يتدخل رسميا في إعداد السياسة الخارجية، رغم أنه قد يؤثر أو يشارك في بلورتها".

أما باقي الفاعلين (برلمان، أحزاب سياسية، هيئات مجتمع مدني، نقابات...الخ)، فدورها يقتصر على تقديم مقترحات أو آراء للسلطات المعنية. إذ نجد أن البرلمان مثلا يتكفل بجانب الدبلوماسية الموازية طبقا للفصل 10 من الدستور، وكذا التمثيل النسبي للفرق البرلمانية في العمل الدبلوماسي.

وبحكم طبيعة النظام السياسي المغربي والمتميز أساس بقطبية الملك، فإن "السياسة الخارجية المغربية، ولا سيما فيما يتعلق بتحديد خياراتها الأساسية والاستراتيجية، تبقى حكرا على الملك، الذي يتسلح في هذا المجال بأسلحة دستورية واقعية وذاتية". إنها من المجال المحفوظ للملك.

هذه المكانة لا يمليها الدستور فحسب، بل كذلك "النسق العقدي للدولة المغربية، والذي يمزج بين الدين والتاريخ، الأمر الذي يجعل المؤسسة الملكية لا تدخل ضمن تصنيف السلط الموجودة في التقليد الدستوري الغربي، من تنفيذية وتشريعية وقضائية، بل هي تضم هذه العناصر مجتمعة مضاف إليها مضمون ديني".

السياسة الخارجية مجال سيادي للملك إذن، إذ هو ليس فاعلا فيه فحسب، بل محددا له. إنه مجال محفوظ للملك بشكل صريح ومضمر في الآن معا.

وباعتبار الملك أمير المومنين أيضا، فإن الحديث عن اختصاصاته في مجال السياسة الخارجية هو "من طبيعة فوق دستورية"، مستندا في ذلك على "تقاليد مخزنية تكرس مركزية السلطان كممثل وحيد للأمة أمام الدول الأجنبية"، فيكون بذلك القطب الذي يدور حوله باقي الفاعلين.

الملاحظ هنا برأي الكاتب، أن هذا الواقع المرتكز على البيعة قد أدى إلى "تقليص اثر القانون الوضعي على شرعية النظام، وجعله سندا إضافيا لتأكيد الأحقية التاريخية في التسيير والتدبير".

معنى هذا أن حقل إمارة المومنين يؤدي إلى "خلق سلطة شاملة على الفضاء السياسي للأمة المغربية". بالمقابل، فإن الملك يخبر الشعب لدى أي قرار جوهري يطال السياسة الخارجية، بعد ما يكون قد تم الحسم فيه، وهو ما يصطلح عليه ب"الاستمارة البعدية". لا وسيط هنا إذن ولا يحق بالتالي لا لرئيس الحكومة ولا لوزير الخارجية أن يفسرا للشعب الخلفيات والتداعيات لهذا القرار أو ذاك.

هذه الوضعية كرسها الدستور جهارة، لا سيما في فصليه 41 و 42، حيث بوأ المؤسسة الملكية مكانة سامية مهيمنة "مما وفر لها سندا قويا لتدعيم حضورها الاستراتيجي في مختلف المجالات".

أما المحددات الكبرى للسياسة الخارجية للمغرب، فقد حصرها الكاتب في المحددات الجغرافية والتاريخية، ثم السياسية والاقتصادية، إلى جوانب ثوابت هذه السياسة والتي تتمحور حول ثوابت الوحدة الترابية والالتزام بمقتضيات الأمن والسلم الدوليين.

نافذة "قرأت لكم"

19 أكتوبر 2023

يمكنكم مشاركة هذا المقال