تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

"فاجعة الحوز"

في 8 شتنبر الحالي، شتنبر العام 2023، على الساعة الحادية عشرة ليلا والناس نيام، ضرب زلزال عنيف منطقة الحوز، هناك في فضاءات جبال الأطلس الكبير الواسعة، والممتدة على طول مساحات شاسعة، بتضاريس معقدة، وبيئة قاسية.

لم يكن أحد ليدرك حجم ما جرى بالتحديد، لولا أن ساكنة معظم مدن وبوادي البلاد، قد شعروا بالأرض تتحرك من حولهم ومن تحت أرجلهم، بمنازلهم وأماكن عملهم، كما بالشوارع والطرقات. يكاد المرء يظن، بحكم القوة الهائلة للضربة (حوالي 7 درجات على سلم ريشتر)، أن البلاد برمتها قد زلزلت، وإن اختلفت الهزة قياسا إلى القرب أو البعد من البؤرة/الأصل.

ومع أن الواقعة قد نزلت ليلا ودون أدنى توقع، فإن تواتر المعلومات العامة عن قوة الهزة وهروب الناس من منازلهم وأمكنة عملهم بكل ربوع البلاد، خلفت إحساسا عاما، بأن المصاب جلل، وأن الكارثة محققة دون شك. أما وقد بدأت المعلومات والصور تبين حجم الدمار المهول، والتزايد المتسارع لأعداد الضحايا والجرحى، فقد تأكد بمرور الوقت أن دواوير ومداشر برمتها قد اختفت، وأن الوصول إلى أخرى أمر عسير لدرجة الاستحالة، بسبب التضاريس الوعرة للمنطقة والتوزيع الجغرافي المتباين للعديد من الدواوير والمداشر.

ليس مهما هنا وصف حجم الصدمة التي طالت المغاربة، هم الذين لم يعهدوا هزة بهذا العنف منذ زلزال أكادير للعام 1960، لكن المثير حقا هو معاينة حجم الخصاص الذي تعاني منه المنطقة، من زاوية غياب البنى التحتية الأساس، وعدم توافر الحد الأدنى من المرافق العمومية الضرورية، والعزلة الكاملة التي تعيشها ساكنة منطقة شاسعة، بدا لنا بتواتر التغطية الإعلامية، ولكأنها عالم آخر، لا يمت تماما ونهائيا للمغرب الذي نراه أو نسمع عنه بالإعلام أو على لسان السياسيين.

لم نخلص لهذه القناعة مما رأيناه من مظاهر الفناء التي طالت المنطقة، حيث كانت الضربة أقوى وأشد، بل أيضا من استحالة وصول فرق الإغاثة لعين المكان، لإنقاذ ما تبقى من أحياء وانتشال من هم تحت الأنقاض، أمواتا أو عالقين.

لم يثرني تأخر السلطات في تحريك "مخطط" الإنقاذ وإيصال المساعدات، ولو أنها تجندت بعد يومين أو ثلاثة من المصاب، بل أثارتني الهبة الشعبية الواسعة التي عبر عنها المغاربة، أفرادا وجمعيات، من كل المدن والقرى، في جمع التبرعات العينية، الغذائية والطبية تحديدا، والتوجه بها قوافل متتاليات للأماكن المتضررة، أو في تعذر ذلك للأماكن المحاذية في أفق نقلها ولو بوسائل بدائية، بات لا بديل عنها في هذه الظروف.

وقد أثارني أيضا حجم التضامن الدولي الذي أبانت عنه معظم دول العالم، إما باستعدادها لفتح جسور مباشرة لنقل الإعانات، أو من خلال إبداء استعدادها لإرسال فرق متخصصة لتقديم المساعدات في البحث عن ناجين، أو مؤازرة الفرق الطبية بعين المكان أو بالمستشفيات حيث ينقل الجرحى والمصابون.

صحيح أن المغرب لم يرخص إلا لأربع دول، لكن المعيار في ذلك كان طبيعة المساعدة وليس المساعدة في حد ذاتها، وإلا فستكون فوضى محققة وتضارب في آليات تصريف هذه المساعدات، لا يستطيع المرء تدبيره حقا. ولذلك، فأن تضجر فرنسا مثلا أو الجزائر من عدم اعتمادهما لتقديم الدعم، إنما يدخل في جزء منه (وجزء منه فقط) في سياق هذا المعيار.

لن تكون منطقة الحوز بعد اليوم، كما كانت، ولن يكون تعميرها بإعادة بناء ما تهدم. لا. يجب أن يتم البناء من جديد، لكن من زاوية إدماج المنطقة، ببنيات تحتية ومرافق عامة جديدة، وليس فقط ترميمها و"ترقيع" ما تهدم. هي لربما فرصة كي يعاد النظر في طبيعة التنمية التي راهنت على محاور معينة، لكنها تجاهلت حد الإهمال محور المغرب غير النافع، أي المغرب المنسي.

يمكنكم مشاركة هذا المقال