تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

"في إدانة البرلمان الأوروبي للمغرب"

في 19 يناير من الشهر الحالي، أصدر البرلمان الأوروبي قرارا "شديد اللهجة"، يدين بموجبه ما أسماه "انتهاكات المغرب لحقوق الإنسان وحرية التعبير والصحافة". صوت لفائدة القرار حوالي 360 نائبا من أصل ال 450 الحاضرين، وصوت ضده حوالي 40 نائبا، فيما استنكف الباقون وفضلوا عدم التصويت لا إيجابا ولا سلبا.

لم يصدر قرار عن البرلمان الأوروبي بهذا الخصوص لأكثر من 25 سنة، أي تقريبا نفس المدة التي قضاها الملك محمد السادس بالسلطة. يقال إن السبب في ذلك راجع إلى الآمال التي فتحها الملك الجديد بخصوص طي ملف انتهاكات حقوق الإنسان التي عرفه المغرب زمن والده، ثم تعويض ضحايا هذه السلوكات بما يعيد لهم الاعتبار وينسيهم ولو جزءا من المآسي التي عاشوها طيلة ما سمي ب"سنوات الرصاص".

يقال أيضا إن من أسباب خروج البرلمان الأوروبي بهذا القرار القوي، "صحوة ضمير" مفاجئة لدى نوابه، بعدما تأكد لديهم الإمعان في استهداف حقوق الإنسان وحرية التعبير، لا سيما في أعقاب أحداث الريف وسجن العديد من الصحفيين.

بديباجة القرار، نقرأ التالي: "إن حرية الصحافة في المغرب تتدهور باستمرار على مدى العقد الماضي، وأن العديد من الصحفيين تعرضوا للمضايقة القضائية والترهيب والحكم عليهم بالسجن لفترات طويلة بسبب عملهم".

ثم ينتقل لإدانة المغرب بسبب "استخدام التهم اللا أخلاقية لردع الصحفيين عن أداء واجباتهم" وباستمرار مراقبة الصحفيين، بما في ذلك "عن طريق برامج التجسس بيغاسوس".

ثم يدعو السلطات المغربية إلى "احترام حرية التعبير وحرية الإعلام، وتوفير محاكمة عادلة للصحفيين المسجونين، ولا سيما عمر الراضي وسليمان الريسوني وتوفيق بوعشرين مع جميع ضمانات الإجراءات القانونية الواجبة، و الإفراج المؤقت الفوري عنهم، والكف عن المضايقات ضد جميع الصحفيين ومحاميهم وأسرهم"... كما دعا إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن ناصر الزفزافي و إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين. وحث السلطات المغربية على "الوفاء بالتزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان".

القرار واضح ومباشر إذن، يقال إن البرلمان الأوروبي لم يتخذه إلا بعدما جمع المعطيات من جهات عدة ذات مصداقية، ومن حقائق استقاها مباشرة على لسان أولياء الضحايا، ومن المتابعات المستمرة التي تقوم بها لجانه المختصة.

ثم إن القرار نزل كالصدمة على المغرب، إذ لم يكن أحد ينتظر أن يكون  بتلك القسوة، لا سيما وأن للاتحاد الأوروبي مع المغرب علاقات شراكة وتعاون منذ عشرات السنين، ولها معه ترتيبات أمنية مختلفة، تتجاوز بكثير الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تربط الطرفين.

هل ثمة أطراف خارجية ضغطت لاستصدار قرار من هذا القبيل؟...جائز، قياسا إلى ما يروج عن نفوذ جزائري كبير، لا يعدم السبل للتأثير في القرارات الأوروبية الكبرى، نظير ما يضخه لبلدان القارة من نفط وغاز، نضب صبيبه بسبب الحرب في أوكرانيا؟

هل ثمة ابتزاز ما للمغرب؟...جائز، بالقياس إلى التقارب الأمريكي المتسارع ودخول إسرائيل للمنطقة بعدها وعتادها، مع ما قد يكون له من تأثير ووقع على المصالح الأوروبية المباشرة؟

هل ثمة حقا "صحوة ضمير" لدى بعض السياسيين (من اليسار ومن الخضر)، هالهم ما يسمعونه أو يعاينونه أو يقرأون عن أنه انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وحرية التعبير بالمغرب؟...جائز أيضا، لا سيما وأن للمغرب التزامات موثقة مع الاتحاد الأوروبي بهذا الخصوص.

قد نذهب في الافتراضات آمادا بعيدة، وقد نذهب لحد تفهم ما صدر عن المغرب من ردود فعل غاضبة ومنددة ورافضة. بيد أننا في الحالات كلها، لا نجيب على السؤال المحوري: هل ما ورد بالتقرير صحيح أم لا؟

تحت سقف هذا السؤال، وتحت سقفه فقط، يمكن أن نحلل ونناقش...ما سوى ذلك حديث في الحواشي.

يمكنكم مشاركة هذا المقال