منذ أيام قليلة فقط (31 غشت 2022)، أصدر مجلس المنافسة "رأيا" حول "حالة المحروقات (الغازوال والبنزين)"، على ضوء ما أسماه "الارتفاع الكبير في أسعار المواد الخام والمواد الأولية في السوق العالمية، وتداعياته على السير التنافسي للأسواق الوطنية" (مجلس المنافسة، ر/3/22).
وهو "رأي" أتى بمبادرة منه، وليس عطفا على طلب رأي من جهات مخولة أخرى، حكومة أو برلمانا أو ما سواهما:
°- أولا: في السياق. يعتبر المجلس "أنه من الملائم أن نتساءل إذا ما كان الارتفاع المسجل على مستوى السوق المحلي، مرتبط فقط بعوامل خارجية ذات الصلة بتصاعد أسعار المواد الأولية المستوردة، أم له صلة بعناصر أو ممارسات محظورة...لا سيما الاتفاقات أو حالات الاستغلال التعسفي لوضع مهيمن".
وبما أن الأمر يتعلق أساسا بإبداء الرأي، فإن المجلس ينبه هنا إلى الطبيعة الاستشارية ضمن صلاحياته، وليس تلك التي لها علاقة بالاختصاصات التنازعية، والتي للمجلس بمقتضاها حق "تقييم شرعية ممارسة وعلاقتها بقانون المنافسة".
°- في الإطار القانوني المنظم لسوق الغازوال والبنزين، يحدد المجلس أن قرار تحرير أسواق الغازوال والبنزين تعود للعام 2015، مع العلم بأن ثمة العديد من النصوص التشريعية التي تؤطر عمليات استيراد وتسلم وتخزين وتوزيع هذه المواد، بعضها يعود للعام 1973، ولا تزال قائمة على الرغم من صدور القانون الجديد، والذي لم يدخل حيز التنفيذ بسبب عدم صدور النصوص التطبيقية المرتبطة به.
°- ثانيا: في بنيات أسواق الغازوال والبنزين. "الرأي" يقف هنا عند الفروع الكبرى للسوق:
°°- في التموين والتخزين. يقر "الرأي" بهذه النقطة، إلى أنه منذ توقف نشاط شركة "سامير" في العام 2015، بدأ المغرب يعتمد اعتمادا كليا على الواردات من المنتجات النفطية. وقد كانت الشركة إياها تؤمن 47 بالمائة من حاجيات السوق من الغازوال و 70 بالمائة من البنزين. بتوقفها وبالاعتماد على الواردات، وصلت الفاتورة المتوسطة لهذه الأخيرة إلى 35 مليار درهما سنويا ما بين 2018 و 2021، وإلى 76 مليار درهما لو أضفنا المشتقات الأخرى، لا سيما الغاز والفيول. أكثر من نصف هذه الواردات يأتي من إسبانيا وإيطاليا والبرتغال.
ويوضح "الرأي" أنه في الفترة من 2018 إلى 2021، تكفلت بالاستيراد ثلاث شركات فقط بما مجموعه 52.7 بالمائة: "إفريقيا" و "فيفو إنرجي" و "طوطال"...فيما انتقلت هذه النسبة إلى 84.7 بالمائة لو أضفنا إليها خمس شركات أخرى...وذلك لأن هذه الشركات الثمان هي التي لها قدرات تخزين كبيرة.
معنى هذا أن الشركات الثلاث الكبرى تستحوذ على 61 بالمائة من قدرات التخزين المتوفرة (20 بالمائة لإفريقيا، 15 إلى 20 بالمائة لطوطال و 10 إلى 15 بالمائة لفيفو). ويذكر بأن عددا من الفاعلين المستوردين المتنافسين على مستوى فرع التوزيع، يساهمون بشكل جماعي في الرأسمال الاجتماعي لشركات التخزين، لا سيما "شركة التخزين الجماعي"، إضافة إلى شركة "الجرف الأصفر للتخزين" التي تمتلك فيها إفريقيا وطوطال 50 بالمائة لكل واحدة منها.
°°- في التوزيع. وتتكفل به حوالي 29 شركة، حيث تمثل نسبة مبيعاتها من البنزين حوالي 90 بالمائة من الاستهلاك الإجمالي للمحروقات.
وتضم شبكة التوزيع المغربية حوالي 2993 محطة خدمة في أبريل 2022، مقارنة بال 2491 محطة سنة 2018، أي بزيادة حوالي 20 بالمائة.
ويلاحظ "الرأي" أن شركة إفريقيا تهيمن على هذا السوق بحوالي 563 محطة، ثم فيفو ب 392 محطة، ثم طوطال بحوالي 372 محطة. وتستحوذ هذه الشركات الثلاث على 52 بالمائة من العدد الإجمالي للمحطات المتواجدة بالسوق، لتصل هذه النسبة إلى 83 بالمائة إذا أضفنا إليها "وينكسو" و"زيز" و"غرين وال" و "أولا" و "بترومين".
بالنسبة للغازوال والبنزين تحديدا، تتسم سوق المحروقات ما بين 2018 و 2021 بنسبة تركيز عالية، حيث تستحوذ ثلاث شركات على 54 بالمائة من هذه الحصص: إفريقيا، فيفو وطوطال، فيما تحصل الشركات الست الأولى على 70 بالمائة من المبيعات.
وتستحوذ إفريقيا على 24 بالمائة من حصة السوق، مقابل 15 و 14 بالمائة على التوالي لفيفو وطوطال.
°- ثالثا: في تأثير ارتفاع الأسعار بالسوق الدولي. يلاحظ "الرأي" أن الفترة ما بين 2018 و 2019، عرفت استقرارا نسبيا في أسواق الغازوال والبنزين.
أما خلال العام 2020، فقد تهاوى سعر برميل النفط الخام على الصعيد الدولي بمتوسط 42 دولارا أمريكيا للطن. والسبب في ذلك هو الركود الاقتصادي الذي تزامن مع جائحة كورونا.
أما خلال العام 2022، فقد عرفت الأسعار ارتفاعات حادة بزيادة تجاوزت ال 60 بالمائة مقارنة مع 2018. والسبب في ذلك هو الانتعاش الملاحظ للطلب العالمي وتداعيات النزاع في أوكرانيا، لا سيما وأن روسيا تعتبر المصدر الثاني للنفط في العالم.
ويلاحظ "الرأي" أن ثمة "علاقة ترابطية إيجابية وقوية" بين اتجاهات أسعار الغازوال والبنزين على الصعيد الدولي، ومدى انعكاسها على أسعار البيع بالسوق الوطنية، ومعاملها يصل إلى 0.99 تقريبا إذا أخذنا بعين الاعتبار أسعار الشحن على ظهر السفينة.
وإذا عزا البعض ارتفاع الأسعار إلى تكاليف التكرير، فإن عوامل أخرى تدخل في الحسبان أيضا (الشحن، سعر الصرف، جبايات) والتي تشكل عنصرا أساسيا في تحديد سعر البيع للمستهلك.
°- رابعا: بنية أسعار البيع في المحطة. يتكون سعر البيع، بالنسبة لهذا "الرأي"، من : تكلفة شحن الغازوال والبنزين مستوردة مكررة على ظهر السفينة، التكاليف النهائية لتسلم المخزون وشحنه وتأمينه وتكاليف التفريغ والميناء، وسعر الصرف، ثم من تكاليف التخزين، ثم من الضريبة على الاستهلاك والضريبة على القيمة المضافة (10 بالمائة).
من هنا يأتي السعر وتتحدد هوامش الربح. وبمقارنة تفصيلية لأسعار البيع على مستوى محطة الخدمة المطبقة من لدن الفاعلين، يلاحظ "الرأي" أن الفرق لا يتجاوز بضعة سنتيمات كحد أقصى (10 سنتيما) بسبب تشابه الكلفة فيما بين الفاعلين. ويخلص "الرأي" إلى القول بأنه في الفترة من 2018 إلى 2021، حققت شركتا فيفو ووينكسو أعلى هوامش الربح في فرع الغازوال (1.16 و 0.95 للتر الواحد على التوالي) مقابل 0.79 درهما للتر كهامش ربح حققته إفريقيا.
وبصفة عامة، يقول "الرأي"، فطوال الفترة بين 2018 و 2021، "يتضح أن تكاليف شراء المنتجات المكررة تمثل الجزء الأكبر من سعر البيع في المحطات: 51 بالمائة بالنسبة للكازوال و 43 بالمائة بالنسبة للبنزين، متبوعة بالضرائب التي تمثل لوحدها أكثر من 35 بالمائة من سعر بيع لتر واحد من الغازوال و 45 بالمائة من سعر بيع لتر واحد من البنزين"...فيما يتكون الباقي من هوامش الربح المرتبطة بالبيع، والتي تمثل حوالي 12 بالمائة للبنزين و 14 بالمائة للغازوال.
وتوزع هذه الهوامش بين شركات التوزيع بنسبة ما بين 9 إلى 10 بالمائة، ومحطات الخدمة بنسبة 4 إلى 5 بالمائة. ويذكر "الرأي" بأن نشاط التوزيع هو المهيمن لدى الفاعلين بالسوق، حيث يمثل 70 بالمائة بالنسبة لإفريقيا و 75 بالمائة لفيفو وطوطال، ويصل إلى 91 بالمائة بالنسبة لوينكسو...وهذا معناه أن سبع شركات هي التي تهيمن على 80 بالمائة من حصص السوق من منطلق رقم المعاملات.
أما هوامش الربح فتتراوح بين 1.1 بالمائة و 9.9 بالمائة كحد أقصى (نسبة الأرباح الصافية المحققة من لدن شركة إفريقيا بلغت حوالي 2.5 بالمائة خلال الفترة 2018-2021).
أما الناتج الإجمالي الصافي المحقق من لدن الشركات السبع الأولى، فيبلغ 6.7 مليار درهما خلال الفترة 2018-2021...حوالي 47 بالمائة من هذا الناتج حصدته طوطال وفيفو ووينكسو (1.71 مليار لكل منهما). أما إفريقيا، فلم تحصل إلا على نصف ما حصلت عليه كل شركة من الشركات السابقة، لتحتل بذلك المرتبة الرابعة. وهو ما يظهر أيضا بالنسبة لهوامش الربح الصافية التي تبرز إفريقيا ضمن المؤخرة مقارنة مع طوطال ووينكسو.
°- في الخلاصات. يقر "الرأي" بأن سوق المحروقات بالمغرب يبقى مؤطرا بقوانين ومقتضيات تنظيمية متجاوزة، على الرغم من تحرير السوق في العام 2015، بدليل أن قانون العام 1973 المتعلق باستيراد مواد الهيدروكاربورات وتصديرها وتكريرها وتعبئتها وتخزينها وتوزيعها، لا يزال هو النص المؤطر.
أما قانون التحرير للعام 2015، فلم يدخل حيز التنفيذ بعد بسبب غياب النصوص التطبيقية المتعلقة به. ثم إن شروط الولوج لسوق الاستيراد لا تزال خاضعة لنظام في الرخص يخضع للسلطة التقديرية للإدارة، وهو ما من شأنه طرح إشكاليات ذات صبغة تنافسية.
ويخلص "الرأي" أيضا إلى أن السوق المغربي يعتمد كليا على الواردات الخارجية، مكررة بسبب توقف مصفاة سامير سنة 2015.
ويقر بأن سوق الاستيراد والتخزين تعرف نسبة تركيز عالية، حيث تسيطر الأربع شركات الأولى على ما يناهز 70 بالمائة من الصادرات بالحجم، وتتوفر على 61 بالمائة من قدرات التخزين...وهي نفسها التي تستحوذ على 53 بالمائة من شبكة التوزيع، وتنجز الشركات الأربع 65 بالمائة من رقم المعاملات الإجمالي للسوق.
بيد أن "الرأي" يلاحظ أن الأسواق قد عرفت تهاويا بنسبة 34 بالمائة في العام 2020، وتراجعت أسعار الغازوال تحديدا بنسبة 36 بالمائة...إلا أن أسعار السوق الوطنية لم تعرف انخفاضا إلا بنسبة 12 بالمائة مما يعني أن "الفاعلين لم يعتمدوا إلا جزئيا انخفاض عروض الأسعار المسجلة على الصعيد العالمي".
والعكس صحيح في العام 2021، إذ ارتفعت أسعار برميل النفط ب 67 بالمائة والغازوال على ظهر السفينة ب 41 بالمائة، ولم تزدد أسعار البيع في السوق الوطنية إلا بنسبة 11 بالمائة.
بيد أنه في الأشهر الأخيرة من العام 2022، يلاحظ أن الفاعلين غالبا ما يبقون على الأسعار مرتفعة حتى وإن انخفضت بالسوق الدولي، بدعوى ضرورة التخلص من مخزون المنتجات التي اقتنوها مسبقا بأسعار مرتفعة، فيرفعوا بالتالي من هوامش الربح، وقد يزيدون من منسوبها.
بيد أن "الرأي" يلاحظ أنه خلال الفترة 2020-2021، كان هامش ربح شركات التوزيع جد مرتفع بالنسبة للأربع شركات الكبرى، بلغ 15 بالمائة من سعر بيع لتر واحد من الغازوال مثلا.
وبذلك تكون شركات التوزيع هي المستفيد الأول من تهاوي الأسعار الدولية. وهذا الفرع هو الأكثر مردودية على الإطلاق: 60 بالمائة لوينكسو، 44 إلى 50 بالمائة لفيفو، 11 إلى 20 بالمائة لإفريقيا و 20 بالمائة ل"أولا" و"بطروم"...والسبب في ذلك هو الاختلافات على مستوى تطوير قدرات التخزين وشبكة التوزيع.
بالمحصلة، يقول "الرأي": يظهر أن "أسواق الغازوال والبنزين تتسم بنسبة عالية من التركيز سواء في المراحل الابتدائية أو النهائية لسلسلة القيمة، وذلك بالرغم من دخول فاعلين جدد لم يسعف حجمهم وإمكانياتهم وأصلهم في ضخ دينامية تنافسية جديدة في هذه الأسواق.
وبعد،
فإن "الرأي" يبدو متوازنا في شكله وفي منطوقه. لكنه "لا يقترب من الحقيقة إلا بنية الابتعاد عنها". فعلى الرغم من كونه يعترف بأن السوق جد مركز، فهو لا يقف عند الأمر كثيرا علما بأن التركيز هو النقطة السوداء في أدبيات المنافسة.
بالمقابل، ف"الرأي" يستبعد سيناريو تخفيض الضرائب المفروضة على المحروقات، لأن من شأن ذلك الإضرار بمداخيل الدولة. وهذا توجه يرمي التكلفة على المستهلك النهائي، من باب أن الضرائب المعنية هنا هي جزء من السعر وليست عنصرا طارئا عليه.
بالآن ذاته، يستبعد "الرأي" الدعم المباشر للقطاع لأنه مضر بالمنافسة في نظره، ويقترح توجيه هذا الدعم لبرامج الحكومة الاجتماعية. وهذا مسلك خارج فيما يبدو على نطاق صلاحيات المجلس، تماما كما يخرج عن نطاقه المطالبة بحذف صندوق المقاصة نهائيا وتسريع إخراج السجل الاجتماعي.
من جهة أخرى، لا يرى المجلس من جدوى لإعادة إحياء وتشغيل سامير، لأن الجانب الذي تتكفل به هو مكون بسيط من سعر تدخل فيه، حسب "الرأي"، عوامل كثيرة أخرى.
وبكل الأحوال، ف"رأي" مجلس المنافسة يبقى رأيا ضمن آراء عدة، على أن اعتماد هذا التوجه أو ذاك هو من نطاق توازن المصالح بين الفاعلين...وتوازن المصالح في البلاد بوجه عام.
نافذة "رأي في الشأن الجاري"
03 أكتوبر 2022