Aller au contenu principal

"منطق ابن خلدون" (3/2)

علي الوردي، دار كوفان، لندن، 1994، 292 ص.

المنطق الأرسطي بنظر الكاتب، ليس صوريا فحسب، بل هو استنباطي أيضا. إذ "يبدأ البحث بالاعتماد على كليات عقلية عامة، ثم يستنبط منها النتائج الجزئية الخاصة". إنه بذلك يخالف منهج العلوم الحديثة التي تنتقل من الجزئي إلى الكلي في إطار المنهج الاستقرائي.

العلم الحديث يقوم، يتابع الكاتب، على الاحتمال في حين كان المنطق القديم يقوم على مبدأ اليقين. المناطقة القدماء لم يكونوا يستسيغوا أن يقول النبي حديثا ثم يقول بسياق آخر، حديثا مناقضا له. لذلك وجدنا كل فرقة من الفرق المتنازعة "تأخذ من الأحاديث النبوية الجانب الذي يلائم مقاصدها وينسجم مع النتيجة التي تريدها. فإذا رأت حديثا مخالفا لها، أسرعت حالا إلى تكذيبه وتبيان الضعف في سنده".

بالتالي، فإن القياس المنطقي الذي كان الناس يستخدمونه في القرون الوسطى، لا يصلح منهجا للبحث العلمي وللكشف عن الحقيقة، إنما هو "يصلح بالأحرى سلاحا بيد الإنسان يستخدمه للدفاع أو الهجوم كما تقتضيه عواطفه أو مصالحه أو عقائده...(هو) وسيلة يستطيع الإنسان أن يبرهن بها على صحة شيء وعلى صحة نقيضه أيضا".

بامتداد لذلك، يقف المؤلف عند ثنائية الحس والعقل بصلب العقل الأرسطي، ويحصرها في ثلاثية العقلانية والسببية والماهية. فيرى أن هذا المنطق سما بالعقل والعقلانية، ثم بتعاقب السبب والنتيجة أو العلة والمعلول. إلا أن هذا المبدأ وإن بدا صحيحا، فهو لا يستطيع تفسير الظواهر التي قد يبرز العلم نقيضها.

أما مبدأ الماهية، فهو الذي يعتبر أن كل شيء يبقى على كينونته ولا يطاله التغيير. بيد أن فلاسفة كبار مثل هيغل، رأوا أن "الشيء لا يمكن أن يقوم بذاته حسبما يقول به مبدأ الماهية. إنه لا بد أن يحتوي على نقيضه في صميم تكوينه". وبوجود هذا التناقض في تكوين الشيء يظهر عليه التغير والصيرورة.

ومعنى ذلك أن التناقض أصيل في طبيعة الأشياء. ومعناه أيضا أن الظواهر الاجتماعية ليست ثابتة أو مطلقة. إنها تتغير باستمرار.

من ناحية أخرى، يلاحظ الكاتب أن المنطق الأرسطي كان صاحب شأن في الثقافة الإسلامية لدرجة دفعت البعض للتعصب له. والخلفية الأساس كانت من منطلق الدفاع عن العقيدة الدينية. بيد أن ابن خلدون انتقد بشدة المنطق الأرسطي، وبين قصوره عن فهم الحياة الاجتماعية كما هي عليه في الواقع.

إلا أن الكاتب يلاحظ أن ابن خلدون لم يوضح منهجه المنطقي توضيحا مركزا. إذ يبدو كما في المقدمة، يراوغ ويداور "كأنه كان يخشى أن يعثر عليه بعض الذين تغضبهم تلك الآراء".

يؤكد ابن خلدون بنظر المؤلف، على أن العقول البشرية عاجزة عن أن تفهم كيفية تأثير الأسباب في الحوادث. وهذا تصور يقربه من الاتجاه العلمي الحديث. السببية عند ابن خلدون موجودة، لكنها موجودة "من طريق العادة" فقط. ولهذا "وجب علينا أن نقطع النظر فيها ونتوجه إلى الله خالق الأسباب".

بخصوص العقلانية، يتقاطع ابن خلدون مع الغزالي في اعتبار محدودية العقل البشري وعدم قدرته على "النظر في حقائق الكون إلا ضمن نطاق معين لا يجوز أن يتعداه".

بالتالي، فالسياسة من منظور ابن خلدون، يحتاج صاحبها إلى "مراعاة أحوال العمران" كما هي في واقعها الخارجي. ولهذا كان الرجل العامي ذو الطبع السليم والذكاء المتوسط أكثر نجاحا في السياسة من العالم المتمنطق.

ويتابع: "من هنا، يتبين أن صناعة المنطق غير مأمونة الغلط، لكثرة ما فيها من الانتزاع وبعدها عن المحسوس. إن المنطق الحسي هو الذي يراه ابن خلدون صالحا لفهم الأمور الاجتماعية. بالتالي، فهو يرى أن ثمة من العلوم ما يخضع للمنطق الأرسطي (هندسة، جبر، حساب...الخ) ومنها ما لا يخضع له كعلم الاجتماع".

ابن خلدون يركز على وجود ثلاثة أنواع من المنطق: منطق كشفي يصلح للبحث في الأمور الإلهية والروحية، ومنطق عقلاني يصلح للبحث في الأمور القياسية، كالهندسة والحساب...الخ، ومنطق حسي يصلح للبحث في العلوم الاجتماعية والسياسية.

لذلك، يعيب ابن خلدون على المؤرخين اكتفاءهم بالصور الذهنية المجردة للأحداث، مع إهمال محتواها الواقعي. إنه هنا إنما يثور على العقل الصوري للمنطق الأرسطي. محتوى مادة الشيء هو الأساس عنده وليس الصورة التي نكونها عنه. إنه يعلن بوضوح "وجود فرق بين الصور الذهنية المجردة وبين الوقائع المادية الخارجية".

Vous pouvez partager ce contenu