كارل غيرث (ترجمة طارق عليان)، هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، 2012، 220 ص.
ينطلق الكاتب مما عاينه. وقد عاين سرعة انتشار أنماط الحياة الاستهلاكية في عموم الصين، منذ انطلاق الإصلاحات السوقية في نهاية سبعينات القرن الماضي.
ويلاحظ: "لم تستغرق الصين سوى بضع سنين لتتعلم شيئا تعلمته هذه البلدان الاستهلاكية في عقود، وهو كيفية الإنفاق، حتى صار الصينيون بالفعل أكبر مستهلكي العالم في كل شيء، ابتداء من الهواتف الجوالة إلى البيرة...الخ".
لقد باتت الطبقة المتوسطة الصينية مثلا، تقيم في منازل كبيرة، وتتسوق من متاجر السلسلة وتتناول وجباتها بالمطاعم الراقية، وتتعاطى بكثافة للأنشطة الترفيهية، وتركب السيارات الجيدة، دع عنك ما تقتنيه من أجهزة معلوماتية ووسائل سمعية/بصرية وما سواها.
إن انتقال الصين لاقتصاد السوق (على الرغم من الإبقاء على التسمية الاشتراكية) قد منحها نموذجا في التنمية مرتكزا على التصدير، لكنها لم تغفل مقومات سوقها الداخلي الضخم، وهو ما دفع القادة الصينيين إلى "إطلاق العنان للمستهلك الصيني".
الصين بهذا الخيار، لا تراهن فقط على خلق مجتمع منتج ومبدع، بل أيضا على مجتمع مستهلك. وقد برز هذا التوجه خلال أزمة العام 2008 وانحسار الطلب العالمي، مما دفع الصين إلى "تعزيز الطلب المحلي لدعم النمو".
وقد عملت الدولة على تفكيك القيود التي قد تحول دون تكريس هذا التوجه، فعملت على تيسير القروض بتخفيف قيود الائتمان والاحتياطي وتثبيط الادخار بتخفيض أسعار الفائدة...الخ.
بيد أن سياسة "خلق المستهلكين" هاته، والمتمثلة في حض المستهلكين الصينيين على الإنفاق، لم يكن دون أن تعترضه عوائق، إذ لا تزال الصين بلدا شديد الفقر. فمئات الملايين من الصينيين البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة، هم من فقراء الأرياف ولديهم الشيء القليل لينفقوه. أضف إلى ذلك نزعة الصينيين للادخار، إذ يدخرون تقليديا ما بين ربع دخلهم ونصفه. ثم إن تكاليف الرعاية الصحية والتقاعد والتعليم والسكن، والتي كانت تتكفل بها الدولة الصينية، لم تعد متاحة للجميع، في ظل اقتصاد ينحو بناحية المنافسة والإنتاجية والعقلانية.
إلى جانب كل هذا، فنسبة متواضعة فقط من الصينيين هي التي استطاعت تطويع نمطها في الاستهلاك، والتكيف مع نعرة الاقتناء التي يواجهها السوق ووسائل الإعلان والإشهار.
أيا تكن هذه التحولات الجارية والمتسارعة في الصين، فإنها ستؤثر حتما على بلدان الجوار وعلى العديد من باقي البلدان، إذ المؤكد بنظر الكاتب، أن "مستقبل الصين ومستقبل العالم سيتشكل تشكلا جذريا بفعل اندفاع الصين نحو الاستهلاكية، فأينما تسير الصين يسير العالم".