عبد الرحمان منيف، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1992، 342 ص.
هذا الكتاب هو تجميع لسلسلة مقالات كتبها المؤلف بتواريخ مختلفة، لكن مفتاحها المشترك هو الديموقراطية. هذه الأخيرة بالنسبة للكاتب هي "الأداة/الشرط"، و"وسيلتنا للدخول إلى عالم شديد التعقيد والتشابك، وبدون هذه الأداة/الشرط، سنبقى ندور حول المشاكل، نتوهمها، نؤجلها، نحتال عليها، نراها من بعد، وأيضا نفرق في سلسلة من التجارب والأوهام التي نفرضها على أنفسنا أو يفرضها علينا الآخرون".
إن الديموقراطية بنظر الكاتب، هي "شرط التطور ووسيلته في آن واحد"، وهي "الأداة الأمينة والمجربة للانتقال من وضع إلى وضع أرقى، والطريقة لتجنيب المجتمع الهزات أو الانقطاع، وأيضا الصيغة التي تفسح المجال أمام مشاركة القوى الحية والفاعلة والجديدة في تحمل المسؤولية".
ويتابع: "هذا الفهم للديموقراطية يجعلها الشرط الذي لا غنى عنه كبداية للتغيير والتعامل الجدي والجديد، ويجعلها الوسط أو المناخ الحقيقي للتفاعل وتبادل الخبرات والمشاركة، وبالتالي القاسم المشترك مع جميع القضايا، الصغيرة والكبيرة. صحيح أنها ليست حلا، ولكنها المفتاح لكل الحلول. ولذلك فإنها ضرورة دون أن تذكر، وأساسية دون أن تسمى، وعلى ضوء وجودها أو عدم وجودها، تتحدد أمور كثيرة، وتكسب صحتها وجدارتها أو العكس، وبالتالي قدرة المجتمع أو النظام على الدوام والاستمرار والتطور أو سرعة تآكله ومن ثم انهياره".
ويلاحظ الكاتب أن الاشتراكية مثلا، لا يمكن أن تكون خيارا جديا وعمليا إلا بقدر اقتناع الناس بها، وتوافر ضرورة موضوعية تستوجبها...وهذا يستوجب فضاء ديموقراطيا يستنبت هذا الاقتناع.
لا يضع المؤلف تلازما بين الديموقراطية وحلول مشاكلنا، إذ الديموقراطية كما نراها في الغرب مثلا، هي نتاج تطور تاريخي وتطور طويل...لا بل وتمت في العديد من الحالات على حساب تعاسة العديد من الشعوب، جراء الاستعمار والاستغلال والهيمنة.
وعلى هذا الأساس، فهو يرى أن الديموقراطية هي ممارسة يومية، هي أسلوب تفكير وسلوك وأنماط تعامل، وليست مظاهر أو أشكالا مفرغة المضامين. ثم هي "ليست شكلا قانونيا فقط، وليست حالة مؤقتة أو هبة أو منحة من أحد، وإنما هي حقوق أساسية لا غنى عنها...وهي قواعد وتقاليد تعني الجميع وتطبق على الجميع دون تمييز. وهي تعني الأقلية بمقدار ما تعني الأكثرية".
إن الواقع الذي جعل روائيا يغوص في هذه القضايا إنما يؤكدها الكاتب كالتالي: قد "تكون الفترة الحالية من أكثر الفترات ملاءمة لتحدي الخوف ومواجهة المحرم الاجتماعي والسياسي المفروض، وعدم الركون إلى القناعات والصيغ والأوهام التي كانت سائدة ومسيطرة، خاصة وأن السياسيين يترددون في المرحلة الحالية، في إعطاء رأي أو في تقييم ما حصل، ولا يزالون بمنطقهم وأساليبهم امتدادا للمرحلة السابقة، ويتطلعون أيضا إلى المستقبل وكأن شيئا لم يحصل أو أن الزلزال لم يقع".
من جهة أخرى، يلح الكاتب على ضرورة مواجهة الآخر بأدوات موضوعية وصارمة، "وحين نصل إلى هذه المواجهة، نكون قد بدأنا، خاصة وأن البداية الصحيحة، مهما كانت صغيرة ومتواضعة، لا بد أن تؤدي إلى تراكم صحيح وصحي. والتراكم يؤدي إلى خلق التاريخ، أي خلق مجموعة من الأعراف والتقاليد، والعلاقات تفضي إلى خلق إنسان من نمط جديد، أي خلق إنسان مدرك وشجاع يعرف ما له وما عليه، وهذا النوع من الإنسان هو وحده القادر على خلق المستقبل ومواجهة الآخر".