Aller au contenu principal

"دروز في زمن الغفلة: من المحراث الفلسطيني إلى البندقية الإسرائيلية"

قيس ماضي فرو، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2019، 416 ص.

يعتمد هذا الكتاب على الوثائق الإسرائيلية المتوافرة منذ ثلاثينات القرن الماضي، لرصد طرق وآليات استقطاب إسرائيل لبعض عناصر الطائفة الدرزية، وتجنيدها. إنه يعاين كيف انتقلت هذه الطائفة من المحراث ومن الزراعة، إلى العمل داخل المصالح الأمنية بإسرائيل، وكيف أنه تم إغراؤها بمنحها حقوقا متساوية في المظهر فقط، مع الإسرائيليين.

يقوم هذا الكتاب بفصوله الستة على سرد الوجود الدرزي بشمال فلسطين، وكيف تنافست ثلاث عائلات من زاوية القابلية للاستقطاب والاستدراج: عائلة خير من قرية أبو سنان، وعائلة معدي من قرية يركا، وعائلة طريف من قرية جولس، وذلك على النقيض من العائلات التي كانت تتطلع للمشاركة في ثورة فلسطين. يتحدث الكاتب عن فن ترويض الدروز، لا سيما في منطقة الجليل، مع عمل إسرائيل على الا تبرز مجموعة درزية واحدة. لقد دفعت العديد من الدروز إلى التنافس فيما بينهم، من خلال الدفع بنعرة الزعامات وإغراء من يتلكأ في تقديم الولاء للاحتلال.

 إن الأسئلة الجوهرية التي طرحها الكتاب هي كالتالي: كيف تم لإسرائيل أن تخلق أقلية تسيطر على معظم مفاصل مجتمع الدروز؟ ما السر خلف تجاوب الطائفة الدرزية في فلسطين مع مشروع الاحتلال؟ ما هي العائلات الكبرى التي رهنت مستقبل الدروز بإسرائيل؟ 

يقول الكاتب: إن "مواقف النخب الدرزية في سورية ولبنان لا ينطبق على مواقف زعماء الطائفة الدرزية في فلسطين، الذين ظلوا بعيدين عن الفكر القومي والوطني والإسلامي. فخلافا لدروز لبنان وسوريا، لم تشهد القرى الدرزية في فلسطين تغيرات اقتصادية واجتماعية تساعد على ظهور شريحة قادرة على استيعاب مفاهيم وطنية وقومية. وساعد غياب هذه الشريحة المتعلمة، الحركة الصهيونية في سعيها لتحييد الدروز في الصراع الفلسطيني/الصهيوني قبل 1948...". ولذلك، يضيف المؤلف، "لم تظهر عائلات قيادية، على غرار عائلات دروز منطقتي جبل لبنان وجبل حوران. في فلسطين، بقي نفوذ العائلات، حتى فترة الانتداب، محصورا في حدود السياسة القروية للطائفة".

من ناحية أخرى، فالمؤلف لا يسلم بتفسير إسرائيل الذي يزعم أن لواقع الدروز خلفيات دينية وسياسية، وأن للأمر علاقة بتقية ما عند هذه "الأقلية المقهورة في الوسط العربي والإسلامي، التي اضطرت الى إخفاء مشاعرها والمشاركة في المعارك الوطنية والقومية، للمحافظة على نفسها، كما يروج الباحثون الصهاينة عند حديثهم عن الطائفة الدرزية، في محاولة التقرب منها ومقارنة وضعها بوضع اليهود في العالم".

يشير المؤلف الى "أن دروز فلسطين يسكنون حاليا في 18 بلدة، أغلبها في الجليل والكرمل. في العام 1950، بلغ عدد السكان الدروز 14,400 نسمة، وفي العام 2015، بلغ عددهم 115,300 نسمة، أي أنهم يشكلون اليوم أقل من 10% من فلسطينيي 48". ويرى أن تعامل إسرائيل مع هذه الطائفة ينقسم إلى فترتين: الأولى ما قبل النكبة (بما فيها حرب 1948) والثانية بعد إقامة الكيان الصهيوني.

في الفترة الأولى، تمت محاولة الاستيلاء على أرض الدروز ثم استجلابهم كعمال. بعد إقامة دولة إسرائيل، تمثلت الخطة الصهيونية في السعي الى فصل الدروز عن الفلسطينيين، عبر عدة وسائل، كانت أولها إقامة "وحدة الأقليات" في جيش العدو خلال حرب 1948، ثم التجنيد الإجباري (1957)، ثم فصل الطائفة الدرزية عن المسلمين باختراع أعياد دينية خاصة بهم (تحريف معنى زيارة مقام النبي شعيب وتغيير طقوسها) ومنعهم من المشاركة في عيد الأضحى، فأصبحت الطائفة الدرزية مستقلة، وتم تسجيل كلمة درزي بدلا عن عربي ببطاقة الهوية، ثم فصل التعليم الدرزي عن العربي (1977) ووضع مناهج تربوية خاصة للطائفة الدرزية في المدارس، ثم صناعة وعي درزي من خلال التعليم، واختراع تاريخ وفلكلور وديانة وأدب خاص بالدروز".

كان هم إسرائيل طيلة حياتها، هو "ألا تتشكل أقلية عربية تضم الفلسطينيين كلهم، فعملوا على تجزئة هذه الأقلية الى أقليات، باختراع روايات وأساطير تقرب الدروز من اليهود بشكل عام ومن الصهاينة بشكل خاص. والأهم من كل ذلك، فقد حولوا دروز فلسطين من فلاحين الى حاملي البندقية الصهيونية، بعد تجريدهم من أراضهيم حيث لم يعودوا يملكون إلا 1% منها في العام 1990، وتوظيفهم في الدوائر الصهيونية المختلفة، ولكن في المراتب المتدنية، بسبب عدم حيازتهم على شهادات عليا، وفقا لمشيئة الصهاينة".

ومع ذلك، يؤكد المؤلف أن تعاون بعض الدروز في فلسطين (عائلة ابو ركن، منذ الاحتلال البريطاني الى اليوم، على سبيل المثال) مع المشروع الصهيوني والصهاينة "اصطدم بمعارضة نخبة درزية، دينية وثقافية وسياسية، وضعت عراقيل أمام مسار التعاون منذ بدايته، وما زالت تواجه الى الآن إلحاق الطائفة بالكيان وبمخططاته".

 لقد تحرك الوطنيون الدروز طيلة هذه المدة الطويلة، كي يحافظوا على تاريخهم وثقافتهم العربية، إذ " شاركت مجموعات من الدروز في ثورة 1936-1939، ثم في حرب 1948، ورفضت مشروع التجنيد الإجباري وما زالت، كما رفض الأساتذة فصل المناهج التربوية عن المناهج العربية وأكد المثقفون (الشاعر الراحل سميح القاسم الذي سجن بسبب مواقفه الوطنية) على انتماء الجماعة الدرزية الى الوطن العربي والأمة الإسلامية، وخلال انتخابات الكنيست الصهيوني، كان أحيانا يتراجع التصويت للوائح الصهيونية لصالح لائحة الحزب الشيوعي الذي كان يمثل التوجه الوطني في الداخل".

لقد حاربوا بقوة الدعاية الصهيونية ومحاولات إسرائيل هز ثقة العرب بالدروز إجمالا، واعتبارهم "أصدقاء لليهود"، كما واجهوا بالانتخابات الزعامات التي تبدي ولاء لإسرائيل، وفندوا مضامين الكتب المدرسية التي أتخمتها إسرائيل بالأكاذيب والأساطير. ويلاحظ الكاتب أن ثمة وعيا متزايدا لدى الشباب الدروز، الذين يعبرون عن انتمائهم القومي ورفض التجنيد وعدم القبول باستهداف الفلسطينيين وقمعهم وتقتيلهم.

Vous pouvez partager ce contenu