Aller au contenu principal

"الإسلام والحرية: سوء التفاهم التاريخي"

محمد الشرفي، دار بترا، دمشق، 2008، 230 ص.

 هذا الكتاب هو، بنظر صاحبه، مقدمة ضرورية لإزالة الالتباس التاريخي بين الإسلام والحرية والحداثة. وينقسم إلى أربعة فصول، لعل رابعها هو الأهم، لأنه يطرح وجهة النظر الإصلاحية للكاتب، فيما الفصول الثلاثة الأولى إنما هي تمهيد لهذا الإصلاح الذي يرى فيه المؤلف ضرورة لا بد منها، لا سيما في مجال التعليم الذي أشرف عليه بتونس لما يناهز الخمس سنوات.

ولما كان محمد الشرفي قد واجه إبان إشرافه على القطاع إياه، للعديد من التهم والمؤاخذات من لدن التيار الأصولي، الذي رأى فيه معاداة للإسلام، فقد استهل الكاتب بحثه بتتبع نشأة ونمو التيار الإسلامي نفسه.

ويرى الكاتب أن انتشار هذا التيار وتجدره في المجتمع، قد أدى إلى تنامي ظاهرة التعصب الديني، وانتشار العنف في العلاقات الاجتماعية، وسمو "الماضوية والتقليد على صعيد الثقافة السياسية والخطاب".

ليحسم رأيه منذ البدء بالقول: إن "التركيز على العوامل الاقتصادية والسياسية والدوافع الاجتماعية، وما يتصل بها من الفقر والبطالة والفساد وغياب الحريات العامة والهجرة الريفية نحو المدن... رغم أهمية دورها في هذا المجال، إلا أنها لا تقدم تفسيرا شاملا لبروز ظاهرة التعصب الديني في هذه المجتمعات، خاصة حين نشهد انتشار التعصب والعنف في مجتمعات يتمتع أهلها بمستويات عيش مرتفعة جدا، كما في الدول النفطية، ولا تعاني من تمايز مشط بين فئاتها الاجتماعية".

بيد أنه يلاحظ أنه حتى لو قبلنا بأثر هذه العوامل الاقتصادية والاجتماعية كتفسير لظاهرة التعصب الديني، فإننا نجد في المقابل، بلدانا أخرى تثار فيها نفس الإشكالات، لكنها تأخذ طابعا احتجاجيا مدنيا صرفا، "ويتشكل الرأي فيها في مؤسسات ومنظمات وجمعيات تطالب باستعادة التوازن الاجتماعي، وتسعى لإيجاد حلول لأزماتها الاجتماعية والسياسية، "فلم تغلف هنا تلك المطالب المختلفة بالمناداة الوهمية بالرجوع إلى دولة إسلامية، تحل فيها جميع المشكلات بصورة عجائبية وعصا سحرية حالما يتحقق تطبيق الشريعة الإسلامية". إنه يرى فيما تقوم به هذه الحركات الاحتجاجية، مطية يتكئ العنف عليها لينتشر ويسود.

يقر الكاتب هنا أن للتربية والثقافة دور مركزي "في إنتاج وإعادة إنتاج ظواهر التعصب والتطرف والعنف". ويستدل على ذلك بواقع ودور المؤسسة المرجعية الرسمية في البلدان العربية، كالزيتونة في تونس والأزهر بمصر، وعلاقة هذه المؤسسات بالسلطة السياسية ومعاندتها للتحديث والعصرنة"، خاصة بعد  "التوسع الكمي للتعليم في هذه المؤسسات، وتحولها إلى مؤسسات شعبية لم تعد تقتصر على النخبة الارستقراطية ذات التأدب العالي والموسوعية المعرفية".

ويتساءل: "ألم يخرج معظم القادة الأصوليون من تحت عباءة هذه المؤسسات التي أصابها الترهل والجمود الفكري والتحجر العقائدي؟ ألم يقف هؤلاء القادة الأصوليون الجدد ضد كل المحاولات الإصلاحية التي انبرى لها مفكرون مسلمون من نفس تلك المؤسسات، فاتهموهم بالكفر والمروق وغيرها من الأوصاف، ومنعت كتبهم وحوربت أفكارهم التجديدية من قبل هؤلاء القادة وتواطؤ السلطات السياسية مع تلك المؤسسة التي تخشى إثارتها خوفا من فقدان الشرعية التي تستمدها منها".

إن هؤلاء لا يميزون بنظر الكاتب، بين أعراف القبيلة ومجتمع الجزيرة، وبين مقتضيات مجتمع المدينة والدولة الحديثة، ويستدل على ذلك بقوانين المدونة الفقهية التي تكرس بنظره دونية المرأة، ولا تعترف بحقوق الآخر غير المسلم، ولا بحرية المعتقد، ولا تضع بالتالي جسور ترابط بين الفقه ومواثيق حقوق الإنسان.

من جهة أخرى، يشدد الكاتب على "التناقض الفكري والانفصام النفسي الذي يعيشه الفرد الإسلامي، بين ما تعلمه في التعليم الديني أو المدرسي الرسمي الذي يشكل زاده الثقافي والمعرفي، وبين ما يعيشه في الحياة اليومية، ودور هذا التعليم قديما وحديثا في إنتاج وإعادة إنتاج العنف"، فيلاحظ المفارقة بين قبول الإسلاميين بقوانين وضعية جريئة كما في تونس مثلا، لكن مع تشبثهم بتلقين التعليم الديني باعتباره "منظومة تشريعية متكاملة غير قابلة للتجزئة والتفكيك، والتفكر بما أضفي عليها من قداسة لا تقل عن قداسة النص القرآني نفسه".

يخلص الكاتب بهذه النقطة إلى أن التخلف "ليس تخلفا اقتصاديا واجتماعيا فحسب، بل هو تخلف ثقافي وفكري أيضا، و"يمثل وجود الظاهرة الإسلاموية في البلدان الإسلامية التعبير الأكثر جلاء ووضوحاً عن هذا التخلف".

ويقر بأن أسوأ أشكال التخلف إنما تمثلت في التوظيف السياسي للدين، "لكبح ومحق أي محاولة تنويرية وتجديدية في الفكر الإسلامي في الماضي، والتي يعمل الإسلاميون اليوم بالتواطؤ مع أنظمة الحكم المستبدة، إلى الدفع بها إلى السطح من جديد للنيل من رأي معارض، ولمنع حرية التفكير والرأي والضمير والدين".

 ويستغرب المؤلف كيف يتساوق موقف الإسلاميين مع هذه المظالم المنافية للعدل والمساواة، لا بل ويستغرب "موقفهم من الدولة ومحاولات تحديث مؤسسة الحكم، وتحديث القوانين الناظمة لعمل مؤسساتها المختلفة، أو من الديمقراطية والعلمانية، وفصل السلطات وفصل الدين عن السياسة، وحقوق المشاركة السياسية والمساواة أمام القانون وحقوق المواطنة التي تكفل حق التمثيل، والمشاركة المتساوية للجنسين وللأقليات غير المسلمة، وشيطنة وتكفير النخب، الخ".

ويلاحظ الكاتب التمزق الذي عاشه جيل الشباب، بين القيم التي تدرس في المدارس وبين الواقع المعاش، فترتب عن ذلك بروز شباب منفصم الشخصية، متطرفا في مواقفه، رافضا لقيم الحرية والحداثة.

ويقف الكاتب عند التجربة التونسية، خصوصا عند التنافس بين الإسلاميين والدولة على من تكن له الريادة في فرض موقفه، فيسجل موقفه من أن "إصلاح التعليم هو المدخل الضروري لرفع سوء التفاهم بين الإسلام والحرية، ذلك أن التحديث النسبي الذي دخل على هذا التعليم منذ ما بعد الاستقلال، بقي تحديثا هشا أو حداثة مترددة، دخلت من الأبواب الخلفية وليس فعلا ذاتيا مدروسا، إذ اقتصرت عمليات التحديث على الانتشار الكمي للمدارس والطلاب، وإضافة المواد العلمية واللغات الأجنبية التي استمر تدريسها وفق مناهج تقليدية وتلقينية تكرس دونية المرأة التي كانت مشاركتها أو استفادتها من انتشار التعليم بحدود دنيا، عدا عن الفصل بين الجنسين وإلغاء المدارس المختلطة".

ويسجل الكاتب من جهة أخرى، بأن رهانات التعليم قد تقاذفته التوجهات السياسية للدولة والبعد الهوياتي للجماعات الإسلامية، التي ارتبط موقفها بالبعد الديني أكثر من ارتباطه بضرورات تحديث المجتمع.

ويخلص إلى القول بأن انتشار الأصولية بالبلدان العربية والإسلامية، إنما مرده هذا التخلف الثقافي والتعليمي وأن "مكافحة هذه الظواهر لا تتم بالقمع والتسلط والعنف المضاد، وإنما بإزالة أسبابها، ما يجعل من تحديث التعليم وربطه برهانات تحديث المجتمع مهمة راهنة".

Vous pouvez partager ce contenu