سمير أمين، دار صفصافة للنشر، 2019، 117 ص.
ينطلق الكاتب في البدء، بتثبيت حقيقة أن "النظام الرأسمالي الحالي، تسيطر عليه حفنة من تجمعات المحتكرين الذين يحكمون القبضة على القرارات الجوهرية في الاقتصاد العالمي". هؤلاء المحتكرون ليسوا فقط أصحاب مصارف وشركات مالية ومؤسسات تأمين، إنهم أيضا أرباب المصانع الصناعية والتجارية الكبرى، لكن ميزتهم المشتركة هو صبغتهم المالية.
ولذلك، يرى الكاتب أنه "جرى نقل المركز الأساسي للقرار الاقتصادي، من إنتاج القيمة المضافة في القطاعات الإنتاجية، إلى إعادة توزيع الأرباح التي تأتي بها المنتجات المشتقة من التوظيفات المالية". بالتالي، فنحن بنظر المؤلف، لسنا بإزاء اقتصاد في السوق، بل إزاء رأسمالية مبنية على احتكارات مالية.
بيد أن هذا الواقع، واقع انفصام الإنتاج عن المال، لم يستطع الصمود كثيرا، فأفرز بسرعة ما أصبح يسمى بالفقاعة المالية. فالتبادلات المالية تتجاوز 2000 تريليون دولار، فيما إجمالي الناتج الوطني على الصعيد العالمي، هو فقط 44 تريليون دولار، أي أن المبادلات المالية لم تعد كما في الماضي، تغطي العمليات التي يفرضها الإنتاج والتجارة الداخلية كما العالمية. فكان لا بد للأزمة من أن تنفجر.
ويلاحظ الكاتب أن هذا الانهيار المالي يخفي خلفه أزمة حقيقية في الاقتصاد الحقيقي، لأن "الانحراف المالي نفسه، سيؤدي إلى شلل النمو والبنية الإنتاجية. فالحلول المقدمة للأزمة المالية، لا تستطيع إلا أن تؤدي إلى أزمة في الاقتصاد الحقيقي"، أي إلى ركود في الإنتاج وتراجع في مداخيل العمال وارتفاع في نسب البطالة، ثم المزيد من الهشاشة الاجتماعية وتعميق الفقر في دول العالم الثالث.
ويضيف المؤلف: "إن مواصلة اللحاق بنموذج نمو الاقتصاد الحقيقي كما نعرفه، وبنموذج الاستهلاك المرتبط به، أصبح، للمرة الأولى في التاريخ، تهديدا حقيقيا لمستقبل البشرية والكرة الأرضية".
ويتابع للتدقيق: "في الماضي، كان يمكن لدولة صاعدة اقتصاديا، أن تأخذ حصتها من الثروات، من دون تهديد امتيازات الدول الغنية. لكن اليوم، لم يعد الأمر يسير على هذه الحال. فالدول الغنية التي يسكنها 15 في المائة من مجموع سكان العالم، تستحوذ على 85 في المائة من ثروات الأرض، لمصلحة استهلاك وتبذير مواطنيها وحدهم، ولا تحتمل بأي شكل أن تتمكن دول أخرى من الوصول إلى هذه الثروات، لأن ذلك سيؤدي إلى نقصان هائل سيهدد مستويات معيشة سكان الدول الغنية".
ولذلك، فإذا "كانت الولايات المتحدة أوكلت لنفسها، هدف السيطرة العسكرية على العالم، فذلك لأن حكامها يدركون أنه من دون هذه السيطرة، لا يقدرون على تأمين الوصول الحصري إلى هذه الثروات الطبيعية". لا بل إن هم الولايات المتحدة مرتبط بضرورة الحد من وصول الآخرين إلى هذه المصادر الطبيعية"، مثل الصين والهند وباقي البلدان في طريق النمو.
في المقابل، فإن السلطات السياسية القائمة إنما تضع نفسها رهن هذه التجمعات الاحتكارية المالية، لأنها "لا تملك مشروعا غير إعادة موضعة النظام الرأسمالي نفسه"، بدليل أن "الأجوبة المقدمة في وجه الأزمة المالية، التي عبرت عنها عمليات ضخ الأموال العامة الهائلة لإعادة الاستقرار إلى الأسواق المالية، تبدو مسلية"، لأنها تقوم على خصخصة الأرباح وتأميم الخسائر.
على أن البديل الحقيقي بنظر الكاتب، إنما يمر "بقلب السلطة الحصرية للتجمعات الاحتكارية المالية، وهو ما يستحيل تماما من دون تأميمها في النهاية، لإرساء إدارة تندرج في إطار الاشتراكية الديمقراطية التقدمية". لا يعني هذا نهاية الرأسمالية، بقدر ما يعني ضرورة وضع "ترتيبات جديدة لموازين قوى اجتماعية، تفرض على رأس المال أن يتأقلم مع مطالبات الطبقات الشعبية والشعوب"، وفق التوجهات التالية:
°- "إعادة اختراع تنظيمات متناسبة وكافية من العمال، تسمح ببناء وحدتهم التي تسمو على أشكال استغلالهم (الهشاشة الاجتماعية والبطالة والعمل غير المشروع)"،
°- التحرر مما يسميه الكاتب "الفيروس الليبرالي، القائم على أسطورة تمجيد الفرد الذي بات العنصر الأهم في التاريخ"،
°- "التحرر من حلف شمالي الأطلسي، ومن النزعة العسكرية التي ترافقه، وهي نزعة أطلسية تهدف إلى إرغامنا على القبول بكرة أرضية منظمة على أساس الأبارتهايد والتمييز العنصري على الصعيد العالمي".
ومع ذلك، فإن المؤلف يقر بأن الأزمة الحالية، تمثل مناسبة لفك الارتباط مع نموذج النمو الرأسمالي، كي تعود السيادة الوطنية على الأسواق المالية والنقدية، وعلى التكنولوجيا الحديثة وإعادة تحصيل الحق في الوصول إلى الثروات الوطنية ثم " التحرر من أوهام فكرة رأسمالية وطنية مستقلة في النظام الرأسمالي".