Aller au contenu principal

"في الإجابة عن سؤال: ما السلفية؟"

عزمي بشارة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، 2018، 255 ص.

كتب الكثير عن السلفية، لكن أغلبيتها لا تضيف قيمة كبرى لما كتب. هي سلفية واحدة، درج الكتاب على التعامل معها على هذا الأساس. بيد أن عزمي بشارة يسير عكس ذلك، ويعتبر أن السلفية سلفيات، إذ إن مفهوم السلفية برأيه، "لم يبقَ واحدا، بل صار متعددا، وصارت لدينا سلفيات لا سلفية واحدة، كالسلفية الإصلاحية والسلفية الدعوية والسلفية العلمية والسلفية الجهادية ... الخ".

إن الكاتب هنا إنما يريد أن يضع نشوء السلفيات وتطورها في سياقها التاريخي العام، بما في ذلك "العلاقة بين السلفية والوهابية، بوصف الوهابية إحدى السلفيات المحدثة وليست السلفية، وإشكالية العلاقة بين سلفية أهل الأثر القدامى وسلفية ابن تيمية، وصولا إلى السلفية (الوهابية) المحدثة، ومحاولة تجذير نفسها في الماضي السلفي، مماهية بين الحنبلية والسلفية، وصولا إلى تحليل السلفية الإصلاحية الحديثة وإشكالية علاقتها بالحداثة، ومسائل استيعاب التقدم العلمي والحضاري، والجمع بين الدعوة الوطنية والدعوات التحديثية العصرية، مثل سلفيات علال الفاسي ومحمد عبده ورشيد رضا الإصلاحية".

يحدد الكاتب معنى السلفية ويرى أن هذه الأخيرة لا تخرج عن ثلاثة أضلاع: العودة إلى الكتاب والسنة، ونبذ البدع، وإنكار المحدثات. يناقش المؤلف هذه المستويات الثلاثة، لكنه يربطها بالأصولية الحديثة التي تتبناها النظريات الغربية، على النقيض من الأصولية الكلاسيكية التي كان لها تجذر تاريخي قوي.

ثم يتعرض لمسألة "التكفير"، ويرى أن أصوله الأولى تأتي من التاريخ، وتحديدا من الجماعات الإسلامية الأولى، لا سيما الخوارج والمرجئة. ثم يقف عند فكرة التكفير عند ابن تيمية، والفتاوى التي أصدر بخصوص الفرق الدينية المختلفة، كالإثنا عشرية مثلا، ثم تمييزه بين "تكفير المطلق وتكفير المعين"، ليصل للحركات الجهادية الإسلامية التي "اعتنقت التكفير وظهرت في مصر في ستينيات القرن العشرين وسبعينياته".

في حديثه عن "السلفية والحركات الإسلامية"، يقف الكاتب عند نقطة تحول الوهابية "من دعوة إلى مؤسسة مع تبني ابن سعود وأبنائه من بعده، تلك الدعوة وقولبتها في مؤسسة دعيت هيئة كبار العلماء". ويقف أيضا عند بعض الحركات الشيعية التي دفعت بمنظومة في التدين شعبي، مقابل وعلى النقيض من "التدين الفقهي المؤسسي". ويقف أيضا عند  جماعة الإخوان المسلمين، التي "أنشأت بنيتها التنظيمية على منوال الأحزاب اللينينية، صاحبة مبدأ المركزية الديمقراطية الذي بات على يدَي حسن البنا مركزية شوروية معلمة لا ملزمة".

ويخلص الكاتب إلى أن "الحركات السلفية إنما هي حركات حديثة، نشأت في العالم الحديث بآليات التنظيم الحديثة، ونتيجة لضغوط العالم الحديث، وإنه من غير الممكن أن نفهم نصوص سيد قطب مثلًا، من دون فهم اغتراب المثقف الشرقي عن الحضارة الغربية وفي الدولة الحديثة وفي مواجهة الأيديولوجيات القومية والطبقية والعلمانية والتحديثية الجذرية".

في حديثه عن الوهابية، يلاحظ المؤلف أن حركة محمد بن عبد الوهاب "بدت أشبه بتأسيس دين جديد، عبر تخيل المطابقة مع الإسلام في ظهوره الأول من حيث المنهج ونشر الدعوة، ومن خلال مقارنة الجاهلية التي سبقت دعوة النبي محمد، بالأوضاع في نجد في عصر محمد بن عبد الوهاب". ويذهب حد القول بأنه لم يكن بإمكان الوهابية "أن تنتصر في الجزيرة العربية لولا سياقها النجدي، وتحالفها القبَلي مع آل سعود، وهذا يعني انفصال زعامة الدعوة (محمد بن عبد الوهاب) عن زعامة البلاد والعباد (محمد بن سعود)، خلافا لما كان الأمر عليه في مرحلة الإسلام الأولى، حين كان النبي هو صاحب الدعوة وهو الإمام في الوقت ذاته".

Vous pouvez partager ce contenu