هادي العلوي، دار المدى، دمشق، 2008، 148 ص.
يفيد الاغتيال بنظر الكاتب، القتل العمد والهلاك. وهو يستوجب الغفلة في موضع خفي، أي الغدر. ويستوجب أيضا استغفال المقتول كإتيانه من ورائه أو استدراجه لمكان معزول.
يقف الكاتب عند العديد من حالات الاغتيال التي ميزت بداية الإسلام وطيلة مراحل انتشاره.
ويبدأ باغتيال الزعماء اليهود في بداية الدعوة. واليهود كانوا يعيشون في يثرب في تجمعات ضمن حصون بعيدة عن مركز المدينة، وقبائلهم الرئيسية هي بنو النضير وبنو القينقاع وبنو قريظة إلى جانب يهود خيبر خارج تراب المدينة.
وقد حاول الرسول (ص) استمالتهم لمحاربة قريش، لكنه لم يفلح لأنهم رأوا في ذلك إضعافا لهم. ويقال إن الوسيلة في ذلك كانت الاغتيال، بعدما تجاوزوا في عدائهم لصاحب الرسالة.
ويعتبر كعب بن الأشرف من كبار اليهود الذين تحالفوا مع قريش ضد الرسول، لذلك تم الترتيب لاغتياله، فتم اغتياله بالفعل وفصل رأسه عن جسده.
بهذه العملية، تم التخلص من خصم عنيد، وتم إرعاب المناوئين للتخفيف من اندفاعهم ضد الحركة. وقد أجاز الفقهاء ذلك، بدعوى وجوب قتل من سب النبي ولو كان ذا عهد.
أما سلام ابن أبي الحقيق، فقد كان من زعماء بني النضير والتحق بعد إجلائهم بخيبر ليستمر في مناهضة المسلمين من هناك. وقد اغتيل في منزله، وكان لذلك نفس الأهداف المذكورة.
وهناك مثال ابن سنينة، وكان من يهود بن حارثة. ويقال إنه بالغ في هجاء الرسول والمسلمين، فأمروا باغتياله. ويقال أيضا إن امرأة كانت تشتم الرسول بانتظام قد اغتيالها أيضا، فما بلغ الخبر للرسول قال "ألا اشهدوا أن دمها هدر".
أما أبو عفك، فهو يهودي من بني عمرو بن عوف. وكان يحرض على الرسول كباقي كبار اليهود في يثرب. وقد تم اغتياله ويقال إن النبي أقر العملية.
وقد توقفت الاغتيالات بعد فتح خيبر الذي أعقب معركة الخندق. فأصبح اليهود الخيبريون رعايا الرسول بموجب عقد الذمة.
ويقدم الكاتب روايات أخرى لاغتيال زعماء قبائل غير يهود، ويخلص للقول بأن "مؤسس الإسلام لم يتقيد بالأحكام الشرعية إذا تعارضت مع مخططاته".
بيد أن الكاتب يذكر هنا بالخطة الفاشلة لاغتيال أبا سفيان، إذ بعد معركة بدر، التي قتل فيها نفر كبير من زعماء قريش، تركزت قيادة مكة في يد أبا سفيان شيخ الأمويين. لكن محاولة اغتياله في العهد النبوي لم تكلل بالنجاح.
ويقر الكاتب مع ذلك أن الاغتيالات في هذا العهد كانت محدودة عدديا ومحصورة زمنيا. وأن الأطراف التي وجهت لها سهام الاغتيال كانت من الكفار واليهود. فالرسول لم يلجأ لهذه الحلول إلا بعد محاولات الصلح والتحالف.
أما طيلة الخلافة الراشدية، فقد شملت حوادث اغتيال طالت خليفتين وصحابيا وقائدا ميدانيا. الأولى وتتعلق باغتيال سعد بن عبادة زعيم الخزرج وقد كان صادقا عفيفا، ونازع أبا بكر في الخلافة، لكنه توفي في ظروف غامضة، لا سيما بعدما رفض مبايعة عمر بن الخطاب. ويقال إن هذا الأخير هو من أوعز باغتياله بحوران حيث كان يقيم. وباغتياله، يكون أول مسلم يقتله مسلمون.
أما اغتيال عمر بن الخطاب، فقد تم على يد أبي لؤلؤة، وقد طعنه وهو يؤم صلاة الفجر لأنه لم يكن يصطحب معه حراسه. كان يعتبر ذلك تشبها بالفرس والمجوس الطغاة.
وكذلك اغتيال علي بن أبي طالب بعد الحركة المسلحة التي أودت بحياة الخليفة عثمان، وقد اغتيل هو نفسه على يد نفس الحركة. وقد اغتاله الخوارج الذين انشقوا عليه في صفين. وقد اغتيل بسيف مسموم.
ويقدم الكاتب حالات عديدة، لكنه يخلص إلى مسألة أن المجتمع يعني الصراع، والدولة هي أداة الصراع التي لا وجود لها من دونه.
نستخلص من مجمل الكتاب أن صاحبه يريد أن يؤسس لأطروحة أن الإسلام تكرس بقوة النار والحديد، وأن آيات القرآن الكريم تدل على ذلك، بحكم ما تشمله من تحريض وحث على القتال، بدليل قوله بأن عدد كلمة القتل ومشتقاته يتجاوز عدد ذكر كلمة الصلاة بمشتقاتها (147 مقابل 99).
وهو نفس النهج الذي سار عليه الكاتب في جرده لحالات الاغتيال في العهد الأموي مع اغتيال الحسن بن علي وعمر بن عبد العزيز وعلي بن الحسين...الخ، وفي العهد العباسي مع اغتيال المتوكل وأبو حنيفة...الخ.