Aller au contenu principal

"الرسول الداعية في القرآن الكريم"

محمد حسين فضل الله، المركز الإسلامي الثقافي، بيروت، 2007، 129 ص.

ينطلق الكاتب من مسلمة أولى مفادها أن أهداف النبوة تشمل الحياة كلها، "وتستهدف تغيير معالمها باتجاه النهج القويم".

في العديد من آيات القرآن الكريم، يلاحظ الكاتب أنها تتحدث عن الصفة الرسالية للنبي "مكتفية بالتذكير والإنذار والتبشير، بعيدا عن السيطرة والإكراه، ومطلقة الكلمة الحقة ليمارس الإنسان أمامها حرية الإيمان والكفر بعيدا عن الضغوط الخارجية". ولعل شعار "لا إكراه في الدين" واضح وصريح، حيث "لا سيطرة على الداخل ولا إكراه، لأن ذلك بعيد عن مجال الإيمان وحركته في داخل الذات".

ولعل أسلوب الدعوة في مرحلة الإسلام الأولى في مكة، كان مبنيا على إيجاد "الأجواء الطبيعية الملائمة لدخول الإسلام إلى كل قلب، من خلال إثارة مفاهيمية في المجتمع بين المؤيدين، المؤمنين به، وبين الرافضين له، الكافرين به". وهو ما أدى إلى صراعات عنيفة واضطهادات واستشهادات وما سواها.

لقد كان الأسلوب الإسلامي في الدعوة هو إعطاء الإنسان "الصورة الحية للعقيدة في الإطارين الروحي والفكري"، والابتعاد عن الاحتراب بين الجماعات المختلفة.

وقد كانت شخصية النبي (ص) "منسجمة مع هذا الخط العريض للأسلوب السلمي للدعوة، حيث عاش الروح المنفتحة على آلام الناس ومشاكلهم، والمتفهمة من جانب آخر، لطبيعة التمرد المتمثل في مواقفهم السلبية من الإيمان بالله الواحد".

بيد أن هذا الأسلوب يحتاج للقوة كي تسنده، إذ تحرك الإسلام "في أكثر من اتجاه، ليشرع القتال كأساس عملي من أسس صنع القوة في اتجاه تحقيق الأهداف الكبيرة التي يريدها للحياة، وليدفع بالتربية الإسلامية إلى صنع الشخصية المجاهدة التي تعتبر القتال في سبيل الله فريضة إسلامية، تمارسها بخشوع وإخلاص كما تمارس العبادة".

وبذلك، يقول الكاتب، "تتكامل الشخصية الإسلامية في لقاء حميم بين أسلوب الدعوة وأسلوب الدولة". بالتالي، "يتحرك الإنسان المسلم في شعور الرحمة الذي يطبع علاقاته بالمؤمنين، وفي ممارسته الشدة التي تحكم مواجهته لطغيان الكافرين".

وهكذا، نجد في حياة الرسول (ص) "شخصية رجل الدعوة منسجمة مع شخصية رجل الدولة، باعتبار أن الدعوة خطوة منفتحة على الحياة والإنسان في الطريق إلى الدولة".

ولذلك، فلا توجد "شخصيتان مزدوجتان، بل شخصية واحدة تتوزع فيها الجوانب حسب حاجة الفكرة التي ترتكز عليها الشخصية في ملامحها الأصلية".

لقد تحدث القرآن الكريم عن الملامح العامة لشخصية النبي (ص)، "ولكنه لم يتحدث عن سيرته الذاتية، خاصة تلك التي تتعلق بمولده ونوازعه الذاتية". والسبب في ذلك، برأي الكاتب، أن "السيرة الذاتية ليس لها قيمة عملية في حساب الرسالة، إلا بقدر ما ترتبط بالرسالة ذاتها".

لذلك، تحدث القرآن الكريم عن خلقه العظيم وعن أسلوبه في الحوار ومشاعره تجاه الآخرين. الخلق هنا من سمو الرسالة وواقعيتها في الإنسان. ويتحدث أيضا عن صفات أخرى تتعلق باللين ووداعة الكلمة وتسامحها، ثم رقة القلب ورحمته.

أما الصفة الأساسية في شخصية الرسول (ص)، فهي إيمانه بالله وبكلماته ("والذي جاء بالصدق وصدق به"، سورة الزمر).

كل هذه الصفات تحيل على مثال القدوة، "لأن الرسالة ليست أمرا شخصيا، بل هي أمر الله ولا بد للناس من أن ينسجموا معها، فيخضعوا أخلاقهم وأساليبهم لخطها الأصيل".

إن الرسول (ص) لا يتحرك بصفته الذاتية، بل "بصفته الرسالية، التي تعني أنه يمثل الله في دعوته، لأنه يدعو إلى الله باسم الله، وبذلك يكون التكذيب موجها إلى الله وليس موجها إليه".

إن أصل "الرسالة/الدعوة" إنما "الإرشاد والإبلاغ والإنذار وتعليم الناس الكتاب والحكمة، وقيادتهم إلى تطبيق ذلك كله على حياتهم، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ويهديهم إلى صراط العزيز الحميد".

Vous pouvez partager ce contenu