Aller au contenu principal

"الهويات القاتلة"

أمين معلوف، دار الحصاد للطباعة والنشر، دمشق، 1999، 143 ص (ترجمة: نبيل محسن)

يقول الكاتب بالمقدمة: " الهوية لا تتجزأ أبدا. ولا تتوزع أنصافا أو ثلاثا أو مناطق منفصلة. أنا لا أملك هويات عدة، بل هوية واحدة، مكونة من كل العناصر التي شكلتها وفق معايرة خاصة، تختلف تماما بين رجل وآخر".

ويتابع: "عندما أسأل عما أنا إياه في قرارة نفسي، فهذا يعني أن لكل إنسان قرارة نفس، انتماء واحدا مهما، هو حقيقته العميقة بشكل ما، جوهره، يتحدد عند الولادة مرة وإلى الأبد، ولا يتغير أبدا".

وعليه، فكل من يتبنى هوية أكثر تعقيدا، "سيجد نفسه مهمشا"، تماما كحال ذاك الشاب الذي ازداد بفرنسا من والدين جزائريين، وعليه أن يكون قادرا على الاضطلاع بكليهما، من زاوية اللغة والمعتقد ونمط العيش والعلاقات العائلية والمأكولات...الخ.

التأثيرات الغربية هنا تختلط بالتأثيرات العربية والبربرية والإفريقية والمسلمة...عندما يعبر عن إحداها، يعتبره البعض خائنا، وعندما يضطهد، يعود لروابطه ببلد الوالدين...وهكذا. نفس المثال ينطبق على أي شخص ولد ببلد أوروبي أو أميركي من أبوين من جنسيات أصلية متباينة.

لا أحد إذن يمكنه أن يتخلص من روابطه السابقة أو يتنكر لها أو ينسج على النقيض منها.

يعلن الكاتب هنا موقفه الخاص: يجب العمل على أن يكون هؤلاء "صلة وصل، وعبارات ووسطاء بين مختلف الجماعات والثقافات المتنوعة"...أما إذا كانوا غير قادرين على ذلك، وإذا تسنى لهم "العودة إلى صفوف قبائلهم، فيحق لنا عندئذ أن نقلق لسير العالم".

إن هويتي، يقول الكاتب، "هي ما يجعلني غير متماثل مع أي شخص آخر". يقال إن الهوية هي الانتماء الأول، الواحد والمسيطر...بيد أنه لو عاينا مختلف الصراعات التي تدور في العالم، سنتأكد أن أي انتماء لا يسود بشكل مطلق.

"فحيث يشعر الناس أنهم مهددون في عقيدتهم، يبدو أن الانتماء الديني هو الذي يختزل هويتهم كلها. ولكن لو كانت لغتهم/الأم ومجموعتهم الإثنية هي المهددة، لقاتلوا بعنف ضد إخوتهم في الدين". وهو حال الأتراك والأكراد الذين هم مسلمون، لكنهم يتقاتلون بسبب اختلافهم في اللغة.

ثمة إذن تراتبية بين العناصر التي تشكل هوية كل فرد، وهي "ليست ثابتة، بل تتغير مع الزمن وتغير التصرفات بعمق".

عندما يتحدث الكاتب عن نفسه، يقول: "أن أكون مسيحيا وأن تكون لغتي/الأم اللغة العربية، لغة الإسلام المقدسة، أحد التناقضات الأساسية التي شكلت هويتي...هذه لغة مشتركة لأكثر من مليار شخص في العالم"، ومسيحيتي تخلق "رباطا هاما بيني وبين ملياري مسيحي في العالم". بالتالي، فثمة قرابة دينية وفكرية، ثم لغوية وثقافية...هنا تكمن خصوصيتي، يتابع الكاتب.

ويقر: إذا أردت أن أعمم: "أقول بأن لي انتماءات مشتركة مع كل كائن حي، ولكن لا يوجد كائن في الكون يشاطرني كل انتماءاتي، ولا حتى جزءا كبيرا منها. من عشرات المعايير التي يمكنني أن أعرضها، تكفي حفنة منها لتثبيت هويتي الخاصة بوضوح، هويتي المختلفة عن هوية الآخر، حتى لو كان ابني أو والدي".

إن كل الناس ليسوا متماثلين، بل "إن كل منهم مختلف". لا وجود لمسيحيين أو مسلمين اثنين متماثلين، "مثلما لا يوجد في العالم فرنسيان أو أميركيان أو عربيان أو يهوديان متماثلان".

من جهة أخرى، فإن ما يحدد انتماء شخص إلى مجموعة ما، هو تأثير الآخرين بشكل أساسي (أهله، مواطنيه، أخوته في الدين...الخ)...هم الذين يتملكونه ويشكلونه منذ الطفولة، وإشباعه بالطقوس والأعراف واللغة/الأم بكل تأكيد، ولكن أيضا بالأحكام المسبقة ومشاعر الانتماء أو اللانتماء والإقصاء وما سواها.

من المؤكد إذن أن الهوية تتشكل من انتماءات متعددة، لكنها تصب في واحدة نعيشها كلا متكاملا..."ويكفي المساس بانتماء واحد لكي ينتفض الشخص بكليته". أما الانحراف الذي نراه جراء الصراعات والحروب والتطاحنات، فإنها تدعي دفاعها عن الهوية، وقد نساهم فيها نحن أيضا ولو بصورة لاإرادية.

ولذلك فالهويات القاتلة هي تلك التي تضع "الرجال في موقف متحيز ومذهبي ومتعصب ومتسلط وأحيانا انتحاري، ويحولهم في أغلب الأحيان إلى قتلة أو أنصار للقتلة".

هؤلاء الرجال، "إذا كانوا يشعرون أن الآخرين يشكلون تهديدا لإثنيتهم أو ديانتهم أو وطنهم، فكل ما يستطيعون القيام به من أجل رد هذا التهديد، يبدو لهم مشروعا تماما، حتى عندما يصل بهم الأمر إلى حد ارتكاب المجازر، يكونون مقتنعين أن الأمر يتعلق بإجراء ضروري من أجل الحفاظ على حياة أقاربهم".

كل ذلك، يقول الكاتب، لأننا "لا نعرف أبدا كيف يتوقف التأكيد المشروع للهوية وأين يبدأ التطاول على حقوق الآخرين".

الهوية بنظره، "صديق مزيف"، إذ "تبدأ بالكشف عن تطلع مشروع، وتصبح فجأة أداة حرب". دائما ما ندفع هنا ب"النحن" وب"الهم"، البعض الأول ضحايا أبرياء، والبعض الآخر مذنبون.

Vous pouvez partager ce contenu