Aller au contenu principal

"واقع المجتمع المدني وتنزيل الديموقراطية التشاركية بالمغرب"

ابراهيم السهول، المركز الديموقراطي العربي، برلين، شتنبر 2021، 323 ص.

ببداية هذا الكتاب، يقول المؤلف: " إن ظهور المجتمع المدني في المغرب كان إحدى التحولات الأساسية التي عرفها المجتمع المغربي في السنين الأخيرة، حيث برزت العديد من التنظيمات التي لعبت دورا أساسيا في الحياة اليومية للمواطنين، كما هو الشأن بالنسبة للجمعيات المهتمة بمجال حقوق الإنسان".

ويلاحظ أن بروز المجتمع المدني بالمغرب جاء نتيجة لتراجع أدوار الدولة، لا سيما في مجال التنمية المحلية، لصالح فاعلين آخرين مثل القطاع الخاص والجمعيات...مما جعل من مطلب الديموقراطية التشاركية مطلبا أساسيا من أجل إسهام كل الفاعلين في التنمية.

ويلاحظ الكاتب من ناحية أخرى، أن "الأخذ بالديموقراطية التشاركية والدعوة إليها، جاء نتيجة الانتقادات المتكررة والمتزايدة للديموقراطية التمثيلية، التي لم تعد توفر للمواطنين مكانة لائقة في الحياة السياسية، سواء وطنيا أو محليا".

يقر الكاتب هنا بأن الديموقراطية التشاركية هي عملية لصنع القرار العمومي. ولما كانت كذلك، فهي تعمل من خلال الجمع بين عناصر الديموقراطية التشاركية والديموقراطية التمثيلية.

المجتمع المدني الذي يعتبر الخيط الرابط بين طرفي المعادلة هو "رابطة اختيارية يدخلها الأفراد طواعية، ولا تقتصر عضويتها على الإجبار، أي ينضم إليها الأفراد بمحض إرادتهم الحرة وإيمانا منهم على أنها قادرة على حماية مصالحهم".

أما أهمية التداول المعاصر لمفهوم المجتمع المدني، فتأتي في كون هذا الأخير "لا يربط قضية المجتمع المدني بمسألة الديموقراطية فقط كعلاقة متلازمة على مستوى الانتقال، بل تتمثل في مناقشة طبيعة الديموقراطية وتأسيسا لمبدأ التشارك في تدبير القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية"، لكن مع ضمان حد أدنى من الاستقلالية عن الدولة وباقي الشبكات الموازية لها.

هذا بالسياق العام. أما بخصوص حالة المغرب، فيلاحظ المؤلف أن بروز مفهوم وظاهرة المجتمع المدني تلازمت ومحاولات إعادة تشكيل الحقل السياسي.

بيد أن هذا المفهوم لا يزال يعاني من آلام الولادة وعسرها، بسبب تداخل وتشابك العديد من العوامل، الدينية والسياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها.

يميز الكاتب، في بزوغ المجتمع المدني، بين البوادي والمدن. بالبوادي، كان ثمة نوع من الاستقلالية عن الحكم المركزي، وكان المجتمع البدوي قادرا "على تدبير شؤونه وتنظيماته الاجتماعية الخاصة بنوع من التعاون والتضامن".

بيد أن المجال الحضري عرف، قبل الحماية وطيلة عهد الحماية، بروز قوى جديدة عملت على القطع مع البنى التقليدية، والاتجاه لتأسيس أطر مختلفة للتمثيل الاجتماعي، من أحزاب ونقابات وجمعيات وغيرها.

وعلى الرغم من أن ظهير العام 1958 المنظم للجمعيات، قد حمل أملا جديدا لإرهاصات المجتمع المدني لفترة ما بعد الحماية، فإنه بقي مقيدا في تطبيقه وتنزيله، حتى إذا تم تعديله في العام 1973، تأكد أن الدولة بدأت تتجه بجهة مراقبة الجمعيات وضبطها، لا سيما بعد أن أدمجت ما يسمى بالجمعيات ذات المنفعة العامة.

كما عملت الدولة طيلة فترة السبعينات، على خلق جمعيات أوكلتها لشخصيات مقربة منها، ولا دراية لها بالمرة بالعمل الجمعوي، فكانت "النتيجة تسييرها من طرف أفراد غير مؤهلين، لا يقومون بأي شيء لإخراج المدن والمناطق التي ينحدرون منها من تخلفها" (جمعية أبي رقراق، جمعية الإسماعيلية، جمعية أنكاد...الخ)، حيث تم منحها إمكانات ضخمة وسمح لها بالاشتغال بكل ربوع البلاد.

بالمقابل، تم ابتداء من تسعينات القرن الماضي، التضييق وتهميش العديد من الجمعيات التي عمدت إلى ضمان استقلاليتها عن الدولة.

ما أفرغ مفهوم المجتمع المدني من بعض مضامينه، هي سياسة الاستقطاب التي لجأت إليها الدولة، لا سيما منذ بدء فترة حكومة التناوب، حتى تم إخضاع الكل تقريبا للاستقطاب، ثم للإدماج والتطبيع والتدجين، ثم للتهميش.

ولهذا يقول الكاتب، "كان الهروب من ممارسة الفعل المدني مسألة حتمية". وقد تم إدماج العديد من التنظيمات المدنية في هياكل مؤسساتية (مجالس عليا، لجان تعليم...الخ)، فتم إفراغها من حمولتها وتطويعها وتحويلها إلى جزء من المنظومة.

ويلاحظ الكاتب أن بداية حكم الملك محمد السادس تزامنت ونشاط نوعي للنسيج الجمعوي، حيث انتقل عدد الجمعيات من 35 ألف جمعية سنة 2002 إلى حوالي 130 ألف في العام 2016. بيد أن ضغط ظهير العام 1958 بقي قائما، لا سيما بخصوص تحكم الدولة في خلق الجمعيات وجنوح الدولة المستمر لاحتكار القرار السياسي.

 في هذا السياق، يرى الكاتب أن الديموقراطية التشاركية أتت لوضع حد للقطيعة المتزايدة بين أجهزة الدولة والمجتمع، حيث لم يعد هذا الأخير يرى أنه ممثلا بشكل صحيح. وهو ما يعبر عنه بانتظام بظاهرة العزوف عن المشاركة السياسية في الانتخابات.

ليست الديموقراطية التشاركية هدفا في حد ذاتها يؤكد الكاتب، بل هي أداة لتدبير السياسات العمومية على المستوى المحلي والترابي، لا سيما مع تزايد الحاجيات بالمناطق والجهات.

بالتالي، فهذه الديموقراطية إنما هي "ديموقراطية فاعلة لحل المشاكل عن قرب، لضمان انخراط المواطن في التدبير المحلي".

ويلاحظ الكاتب هنا أن الديموقراطية التشاركية لا تقتصر فقط على إشراك المواطن "المحلي" في تدبير شؤونه بنفسه، بل أيضا لضمان حكامة ترابية ناجعة ومتناسقة. لذلك، تبقى معادلة المجتمع المدني والديموقراطية التشاركية والحكامة إحدى المداخل الكبرى للتنمية.

Vous pouvez partager ce contenu