Aller au contenu principal

"سوسيولوجيا الدولة بالمغرب: إسهام جاك بيرك"

عادل المساتي، سلسلة المعرفة الاجتماعية السياسية، النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2010، 194 ص.

يقول أحمد بوجداد في تقديمه لهذا الكتاب: جاك بيرك "هو أولا وقبل كل شيء، من كبار أصدقاء ومحبي المغرب والمغاربة، ومن القلائل الذين كانوا واستمروا يحملون نظرة إيجابية عنا، رغم كل النكبات والإخفاقات. لقد أهدى للمغرب أحسن دراسة سوسيولوجية ("البنيات الاجتماعية للأطلس الكبير")...إضافة إلى عشرات الدراسات والأبحاث التي تعرضت بالتحليل لمختلف جوانب المجتمع المغربي: الاجتماعية، الدينية، الزراعية، السياسية، القانونية، اللغوية...الخ)".

ويتابع صاحب التقديم: إن جاك بيرك هو "أحد رواد السوسيولوجيا الكولونيالية ومن كبار الناقدين والمحررين لها، ومن بين أهم مؤسسي السوسيولوجيا العربية، ومن الداعين إلى تأسيس أنتروبولوجيا جديدة، دون أن ننسى كونه منظرا لامعا لحركة تصفية الاستعمار فاقت خطورته فرانز فانون".

إن جاك بيرك، يقول مقدم الكتاب "يجمع بين اختصاصات المؤرخ والسوسيولوجي والأنتروبولوجي والسيميولوجي"...ويتمتع "بقدرة كبيرة على الانتقال من حقل معرفي إلى آخر".

يقسم الكاتب إنتاج جاك بيرك زمنيا وفكريا ضمن ثلاث مراحل:

°- المرحلة الأولى (1935-1946)، حيث لم تكن تتميز كتابات بيرك ضمن هذه المرحلة، عن باقي السوسيولوجيا الكولونيالية، ذلك أنها "تعاصرت مع فترة مركزه كموظف مخلص لدى سلطات الحماية بالمغرب".

°- المرحلة الثانية (1947-1955)، حيث لم يعد بيرك يقترح إصلاحات لتحديث المغرب، بعد أن تم تنقيله إلى منطقة الأطلس الكبير بصفته مراقبا مدنيا. كان يلاحظ ويجمع ويرصد ويوثق.

°- المرحلة الثالثة (1953 إلى 1995، سنة وفاته)، حيث قام بتحرير رسالته للدكتوراه عن "البنيات الاجتماعية للأطلس الكبير" (1955) والتي بفضلها ولج كوليج دوفرانس، نفس الكرسي الذي كان روبرت مونطانيي يتبوأه. خلال هذه الفترة "سيقطع بيرك مع توجه السوسيولوجيا الكولونيالية، ويعمد إلى نقدها وفحص مختلف أحكام القيمة التي تحفل بها".

بخصوص الدولة، يلاحظ بيرك أن الأطراف المالكة للسلطة في المغرب ذات قدرات متفاوتة والمجال الذي تشتغل فيه ليس واحدا، بل موزعا إلى فضاءين مختلفين: المدينة والبادية (القبائل).

يرجع بيرك الدولة إلى السلالة السعدية في النصف الثاني من القرن 16، وأن السلالة العلوية هي من ستدفع بهذا الاتجاه إلى أبعد حد، خاصة "عندما سيقيم الشرفاء العلويون نوعا من المباعدة بينهم وبين بقية مكونات المجتمع المغربي".

هؤلاء الشرفاء بنظر بيرك، لم يكونوا مرابطين أو أولياء أو مناصري زوايا أو متدينين، "إنهم يعملون أولا كفاعلين سياسيين وكمؤسسي دولة".

السعديون لم يستندوا على مشروعية دينية، فيما سار العلويون على نفس النهج مع "إقامة مسافة لم تلعب فيها العوامل الدينية إلا دورا ثانويا".

لقد عمل المولى إسماعيل يقول بيرك، على التأسيس لهذه المسافة أو المباعدة من خلال مستويين:

°- مستوى طوبوغرافي، بإنشاء 76 قصبة عملت على عزل السلالة وخدامها عن بقية أفراد المجتمع،

°- ومستوى سوسيولوجي، يتمثل في إنشاء جيش غريب عن البلاد مكون من الزنوج (عبيد البخاري) ومرتبط بشخص المولى إسماعيل مباشرة.

هذان المستويان هما اللذان مهدا لإرساء الدولة بنظر بيرك. أما عنصر الشرف، فكان مجرد عنصر مساعد لتعميق هذه المباعدة.

في حديثه عن العلماء، يميز بيرك بين العالم المتمركز في المدينة (بفاس تحديدا) وبين العالم البعيد عن المركز المديني.

في المجال الأول، يرصد "التدخل السلطاني الكبير في مجال العلماء، كما أن هؤلاء لا يتورعون بدورهم في طلب مثل هذا التدخل".

أما نموذج اليوسي، فهو بنظر بيرك من طينة أخرى. إذ يتجاوز سلوك العلماء الحضريين، حيث "لا يتردد في انتقاد السلطان مهما كان خطيرا" (مولاي إسماعيل في هذه الحالة).

هذا التقسيم بين العلماء هو الذي يسير بيرك على منواله لمعرفة كيفية انتشار السلطة في المغرب. في المدينة يتعرض بيرك للبورجوازية وللفقيه. البورجوازية عنده ليست وضعية اقتصادية واجتماعية تقابل البروليتاريا...إنها تقوم عنده مقام الطبقة التجارية أو نبلاء فاس. البورجوازية هذه عند بيرك تمتلك وعيا بنخبويتها، إذ "تتميز عن الشرفاء، الفقراء منهم والأغنياء، وعن العلماء، وعن الحلقات الموجهة. إنها واعية بتضامنها".

أما الفقيه، فهو "ممثل القانون الحضري". إنه هو من يلح على إعمال المبادئ الأخلاقية، في التسيير الاقتصادي. الفقيه برأيه يمثل الغليان في "مواجهة الصوفي الذي يمثل الهدوء. بيد أن وصول القانون الوضعي أضعف من وزن الفقيه، فبات دوره منحصرا في مجال الفقه العقاري والميراث".

بعد ذلك، يتحدث بيرك عن القبائل وانتفاضاتها، ثم عن السلطة الشخصية التي كان يمارسها القواد، الذين تجاوزوا أدوارهم في العديد من الحالات. أما عن الدولة، فيقسمها بيرك بالتدريج إلى دولة الزاوية ودولة الأسرة الحاكمة ودولة الأمبراطورية.

هل الدولة "دولة" وفق هذا التقسيم؟ يجيب بيرك بالقول: "كل العملية تتوقف على التعريف الذي نحمله الدولة، وعليه وحده".

كان الحال قبل المرحلة الكولونيالية، وكان كذلك طيلتها، لا سيما في ظل تعامل "الوطنية" مع هذا الوافد الأوروبي الجديد، ثم دور الدين والإيديولوجيا.

Vous pouvez partager ce contenu