Aller au contenu principal

"من الهرمية إلى الشبكية"

ابراهيم غرايبية، الآن ناشرون وموزعون، عمان، 2020، 422 ص.

بمقدمة هذه الدراسة، يقول الكاتب، "ليست الشبكة مجرد تقنية تطبق في الإصلاح أو التأثير أو التسويق أو في أي اتجاه، بل هي منظومة جديدة تغير الاتجاهات العامة والاجتماعية للناس، وتكرس فلسفة ومفاهيم وقيما جديدة، أو تعزز قيما ومثلا جميلة معروفة من قبل".

ويلاحظ الكاتب أن تقنية المعلومات والاتصالات جعلت "الحياة شبكية، وقوضت الهرم الذي ظل رمزا وفلسفة ومنهاجا. فقد كانت الحكومات والنخب والإدارات العليا في الشركات والمؤسسات تملك هذه المعلومات وتتحكم تماما في طريقة بثها وتدفقها، وتحدد من تصل إليه المعلومة".

لكن هذه المعلومات، يتابع الكاتب، "تصل اليوم عبر الإنترنيت والأقمار الصناعية، إلى أي شخص مهما كان موقعه في المجتمع والدولة، وتصبح أجهزة استقبال المحطات الفضائية ومواقع الإنترنيت في مكاتب رؤساء الحكومات وقادتها، كما هي تماما عند الصحفي في بيته أو ربة المنزل. ولم تعد الرقابة على المطبوعات والمواد الإعلامية مؤثرة أو فعالة".

من جهة أخرى، يلاحظ المؤلف أن الثروة بدأت تأخذ مفهوما رمزيا جديدا، مختلفا عما استقرت عليه من ذي قبل. إذ "بتنامي قطاع المعلومات، لم تعد الثروة تعبر عن موجودات صلبة ملموسة (أراضي أو مصانع). فلا أحد يشتري سهم مايكروسوفت أو أي. بي. إيم، بسبب الأصول المادية للشركة، ولكن ثروة هذه الشركات مستمدة من إمكانات معرفية. فالمساهم لا يشتري أصولا واضحة، ولكنه يشتري القدرة التنظيمية والتسويقية والفكرية لهذه الشركات".

أما التعليم، فقد بات على المحك هو الآخر، بسبب هذا التدفق الهائل للمعلومات والعلوم والمعارف، إذ يجعل "نصف ما تعلمه المهندس مفاعيله الزمن خلال خمس سنوات، ويجعل التعليم المستمر وإعادة التأهيل جزءا مستمرا وضروريا من برامج المؤسسات والأفراد".

هذه، بنظر الكاتب، هي تجليات الموجة الثالثة، بعد موجة الزراعة ثم موجة الصناعة. بظل الموجة الثالثة، "انتقل الجزء الأكبر من الأنشطة الإنسانية إلى العوالم الرقمية".

ويعتقد الكاتب أن مصطلح "تكنولوجيا المعنى" هو "أفضل ما يصف التكنولوجيا الجديدة، إذ إنه ببساطة يختزل الاتجاه الأساسي للتكنولوجيا الجديدة، ثم التحديات الحقيقية الناشئة".

المعنى هنا هو القدرة على التفكير والتحليل والذكاء والتعلم واتخاذ القرارات وتصميم السياسات والتوقعات. إن تكنولوجيا المعنى إنما تشتغل حسب المؤلف، "ببداهة وفق قاعدتين: هما الاستغناء عن العمالة البشرية مادام ممكنا للآلة أن تفعل ذلك، ونشوء أعمال وفرص جديدة أنتجتها التكنولوجيا نفسها".

بالتالي، فإن "التقدم الإنساني المؤثر والجوهري لم يكن في الاكتشافات التقنية، ولكن في الفكر والثقافة والعلاقات والأعمال الناشئة عن هذه التقنية وحولها".

ويتساءل الكاتب: "عندما يفوض الإنسان الآلة بالعمل الفكري والذهني والترفيه، هل سيكون هو نفسه الإنسان الذي نعرفه اليوم أم سيتغير وإلى أن يمضي بنفسه والعالم؟". الكاتب لا يجيب على السؤال مباشرة، لكنه يلاحظ أن الإنسان لم يعد يتميز بالتفكير، إذ "تفوق الحاسوب على الإنسان في الإحاطة بالمعرفة وتنظيمها وتحللها".

بالمقابل، فإن "تغيرات عميقة ستجري على وعي الإنسان بذاته ومركزه في الحياة والكون، ومعنى العمل والمكان والزمان، وجدوى المؤسسات الاجتماعية والتنظيمية التي أنشأها الإنسان في مرحلة الدعوة المركزية وما قبلها، ثم القيم والأفكار التي أحاطت بالحضارة الإنسانية".

بالمقابل أيضا، سيزداد التساؤل عن الأخلاق وعن القيم المتوقعة في ظل الشبكية. يلاحظ الكاتب بهذه النقطة، أن القيم والأخلاق الصاعدة ستكون مستمدة من "تحرر الفرد بما هو حر ومستقل بذاته، وتكون العقلانية الاجتماعية والأخلاقية أو الأخلاق بما هي عمليات عقلانية أن يتحرر الإنسان من الخوف، ويدير غرائزه واحتياجاته الأساسية وفق التقدير العقلاني للحياة والبقاء والارتقاء بالحياة".

إن الشبكية، بنظر الكاتب، إنما تنحو بناحية التحول إلى "فلسفة في الحياة والإدارة والتعليم والسياسة والثقافة، بديلة للهرمية القائمة أو التي كانت قائمة. فالناس في تعاملهم الشامل مع الشبكات، للتعليم والتواصل والاتصال والعمل والتشاور والحصول على المعلومات والمعارف وتبادل الآراء والخبرات والمعارف وتحويل وتلقي المال والخدمات والسلع، يستبدلون بنظامهم الهرمي التاريخي في الحياة، نظاما شبكيا قائما على المساواة والمشاركة المتحققة فينا".

Vous pouvez partager ce contenu