Aller au contenu principal

"الإنسان العاري: الديكتاتورية الخفية للرقمية"

مارك دوغان، كريستوف لابي (ترجمة سعيد بنكراد)، المركز الثقافي للكتاب، الدار البيضاء/بيروت، 2016، 196 ص.

في تقديم هذا الكتاب، نقرأ التالي: "ستتحكم عملية جمع المعطيات المتنوعة ومعالجتها في مصير قرننا هذا. فلم يحدث من قبل، في تاريخ الإنسانية، أن كنا أمام هذا العدد الهائل من المعلومات. إن الأمر شبيه بالثورة التي أحدثها اكتشاف النفط في ميدان الطاقة مع بداية القرن العشرين".

ويحسم الكاتبان رأيهما بالقول: "ففيما وراء الوعود الطيبة وحالات الانجذاب التي لا ترد، قامت الثورة الرقمية بإطلاق العنان لسيرورة يتعرى فيها الفرد لصالح حفنة من الشركات المتعددة الجنسيات، وهي أميركية في غالبها".

ويتابعان: "لا يجب أن يخفي الوعد بحياة أفضل، كما أشاعته الثورة الرقمية، الثمن الباهظ الذي علينا دفعه. ذلك أن إنسان المعطيات الشاملة، المتصل باستمرار، سيعيش كليا تحت نظرة أولئك الذين يجمعون دون كلل معلومات حوله. سينكبون على ملفنا الفردي، على كل حميميتنا وعاداتنا وسلوكنا وصورنا التجارية والسيكولوجية والإيديولوجية، كما عشناها على امتداد حياتنا".

ويؤكدان: إننا عندما نتصل، "نعتقد أننا مستقلون وأحرارا، في حين أننا خاضعون للآلة. ذلك أن التواصل داخلها يخضع لقواعد، والإرساليات موجهة والعلاقات الاجتماعية مبرمجة. فما يرسم لنا حدود هوياتنا الرقمية هو اللوغاريتم".

ومعنى ذلك عمليا، أن مبحرا ما لا يرى نفس نتائج البحث التي يراها مبحر آخر، ولا يرى الإشهار ذاته ولا المقالات المودعة في بوابة الإبحار، ولا يتوفر على العروض التجارية نفسها التي يتوفر عليها جاره. بالتالي، "فعندما لا يقترح اللوغاريتم على المبحر سوى مقالات وفيديوهات أو مواقع تتناسب مع ذوقه، فإنه قد يغلق عليه في دائرة ضيقة". من هنا يبدو سراب أطروحة وجوه شبكة محايدة. وهو ما جعل البعض يطالب بخلق "حق في اللوغاريتمات".

ويلاحظ الكاتبان أيضا: "قد تعتقدون أنه لكي تفلتوا من هذه الرقابة الرقمية التي تشمل كل جزء في حياتكم، عليكم فقط ألا تكونوا متصلين. خطأ. فحتى وأنت خارج التغطية، تظل تحت مراقبة عين رئيس التفتيش، خاصة بفضل الكاميرات. يمكن السمارتفون، مشغلا كان أو خارج التغطية، من التعرف على مكان شخص ما في كل لحظة، ومعرفة مالك الهاتف الموجود في محيطه، بل إن هذا التعرف على تنقلات ولقاءات الأفراد سيأخذ بعدا جديدا مع التعرف الوجهي".

ثمة مفارقة كبرى، يقول المؤلفان، مفادها أن نشر أجهزة الرقابة والمراقبة في كل مكان، ستفرز عالما أكثر أمنا وأمانا، في حين أن العالم لم يتعرض لتهديد الإرهاب كما يتعرض له اليوم، إذ "الاعتماد المفرط على الوسائل التقنية وحدها يبدو الآن في الغالب، بدون فعالية".

في المقابل، فإن عمالقة النيت "الذين يبشرون بانتهاء الحياة الخاصة، يقومون بكل شيء لكي لا يعرف عنهم الناس أي شيء".  وهذا أمر سيزداد قوة مع ظهور إنترنيت الأشياء.

من جهة أخرى، يقر المؤلفان بأن "البيغ ضاطا" (المعطيات الضخمة) قد أطاحت بالسياسيين وبالديموقراطية. إذ باتت هذه الأخيرة فارغة المحتوى، "ولم تعد المواطنة سوى كلمة عتيقة، مخلفات إرث إغريقي". ويعتقدان أيضا في الانطباع بأنه "لا تتجاوز المواطنة الوضع القانوني وممارسة حق التصويت. وهي بذلك شبيهة باستطلاع للرأي". كما أن "النفور المتزايد من السياسة في الغرب هو لمصلحة البيغ ضاطا، التي تحلم بتحييد المواطن لكي لا تحتفظ سوى بالمستهلك المنتج للمعطيات".

بالتالي، فإن اقتصاد الإنترنيت قد بات هو عصب العولمة: "لا وجود لحدود يمكن أن تقف في وجهه. ولا ينتظر قادته من الطبقة السياسية سوى إطلاق كلي ليدهم لكي يستغلوا بحرية وجودهم في كل مكان، من خلال نظام ضريبي استثنائي".

ودليلهما في ذلك أن ستيف جوبز كان قد أعطى توجيهاته قبل وفاته، لفريق تسويق شركة أبل "لكي يضغطوا على المدارس لكي يكون للتلاميذ أيبادات تكون هي أداة القراءة عندهم، دون الحاجة إلى الكتاب الورقي. والغاية من ذلك هي استعمال المدرسة كرأس جسر للترويج لمنتجاته، وجعل التلاميذ زبائن في المستقبل، من خلال خلق نوع من الألفة بينها وبينهم منذ الصغر".

بالتالي، فإن "آخر شيء يبتغيه مقاولو الإنترنيت هو القراءة البطيئة والهادئة، أو التي فيها تركيز. فمن مصلحتهم الاقتصادية تشجيع التسلية".

من جانب آخر، فإن العدالة نفسها قد انتقلت من الواقعي المعاش إلى التكهني وإلى الاستباقي. وعليه، فإننا لن نعود نعاقب على الجرم، بل على نية الجرم... "حينها سيكون الإغراء كبيرا من أجل تعبئة كل المعلومات الرقمية المتوفرة للعثور على متهم".

بالتالي، يتابع المؤلفان، فعوض الانطلاق من الهدف للحصول على المعطيات، "أصبحنا ننطلق من المعطيات للوصول إلى الهدف".

لقد بات "بيع الاستباق" تجارة رائجة لدى رواد البيغ ضاطا. إن اللوغاريتمات هي التي باتت تقرر في طبيعة علاقاتنا. ولإدراك كل ذلك، فإن "غاية عمالقة الرقمية هي قوانين قليلة وحضور قليل للدولة، في أفق استيلاء قلة قليلة على الثروات، أداتهم في ذلك هو الإيديولوجيا الليبرالية المتوحشة".

من بمقدوره الوقوف في وجه هؤلاء؟... الهاكرز، يقول الكاتبان. لأنهم "هم الوحيدون القادرون على فتح العلبة السوداء، وفهم ما يدور داخل الآلة ونشر حبات الرمل وتعليم الآخرين تقنيات الدفاع الذاتي الرقمي".

ومع ذلك، يقر المؤلفان بأنه "ليست هناك سلطة مضادة تقف في وجه هذه القلة القليلة التي نجحت في فرض قانونها على الأعداد الكبيرة من البشر".

Vous pouvez partager ce contenu