تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

"اختلال العالم: حضارتنا المتهافتة"

أمين معلوف (ترجمة ميشال كرم)، جار الفارابي، بيروت، 2002، 314 ص.

بمقدمته العامة، يقول الكاتب: "دخلنا القرن الجديد بلا بوصلة. لقد أخذت تحصل منذ الأشهر الأولى، أحداث مقلقة تحمل على الظن بأن العالم يعاني اختلالا كبيرا، وفي عدة ميادين معا: اختلالا فكريا، اختلالا ماليا، اختلالا مناخيا، اختلالا جيو/سياسيا، اختلالا أخلاقيا"...

ويتابع: إن "المركب الذي نحن على متنه بات بعد الآن، هائما على وجهه، بلا طريق ولا مقصد ولا رؤية ولا بوصلة. في بحر هائج. وأنه لا بد من صحوة ومن حالة طوارئ تفاديا للغرق".

يتحدث الكاتب عما يسميه ب"الانتصارات الكاذبة"، فيقر بأن سقوط جدار برلين دفع العديد من بلدان أوروبا الشرقية للالتحاق بالاتحاد الأوروبي. بيد أن واقع الحال أبان أن أوروبا اليوم باتت "تسائل نفسها عن هويتها وحدودها ومؤسساتها المستقبلية وموقعها في العالم، غير واثقة بالأجوبة". إذ "إذا كانت أوروبا تعرف تماما من أين أتت، وتعرف أية فواجع أقنعت شعوبها بضرورة التوحد، فإنها لم تعد تعرف جيدا وجهة سيرها".

أما العالم العربي/الإسلامي، فإنه "يغوص أكثر فأكثر في بئر تاريخية يبدو عاجزا عن الصعود منها. وهو حاقد على الأرض كلها، الغربيين، الروس، الصينيين، الهنود، اليهود...الخ، وعلى ذاته بالدرجة الأولى".

أما إفريقيا، فباستثناء حالات نادرة، فهي "غارقة في حروب أهلية وأوبئة ومتاجرات قذرة وفساد شامل وانحطاط المؤسسات وتفكك للنسيج الاجتماعي والبطالة الكثيفة والقنوط".

أما روسيا، فتحاول الخروج من سبعين سنة من الشيوعية، فيما الولايات المتحدة تجد نفسها في "غمار مشروع هائل ينهكها ويدفع بها إلى التيه". الصين بدورها، قلقة على مستقبلها، غير واثقة منه.

 بالتالي، فإن "جميع شعوب الأرض في مهب العاصفة بشكل أو بآخر، سواء كنا أغنياء أو فقراء، مستنيرين أو خاضعين، محتلين أو تحت الاحتلال، فنحن جميعا على متن زورق هزيل، سائرين إلى الغرق معا. لكننا مع ذلك، لا نكف عن تبادل الشتائم والمشاحنة، غير آبهين لتعاظم أمواج البحر".

إن البربرية في الغرب، يقول الكاتب، ليس مردها التشدد والظلامية، بل الغطرسة وقساوة القلب. ويعطي مثال غزو العراق، وكيف أن الولايات المتحدة الأميركية أقدمت على تدمير بلد باسم حرية وديموقراطية لم يظهرا من حينه. ويلاحظ أيضا أن أميركا ستتعافى من تكاليف ما صرفت، لكن العراق لن يتعافى أبدا من "جرحه الأميركي".

ولدى حديثه عما يسميه "الشرعيات الضالة"، يحدد الكاتب الشرعية في كونها "ما يتيح للشعوب وللأفراد أن يقبلوا دون مبالغة في الإكراه، سلطة مؤسسة ما، يجسدها أشخاص وتعتبر حاملة لقيم مشتركة".

يلاحظ الكاتب هنا أن "كوكبنا نسيج مرصوص من شعوب مختلفة، كل واحد منها واع لهويته التي يجب عليه أن يكتسبها أو يصونها، موقنا بأنه في حاجة إلى الآخرين، وبأنه أيضا في حاجة إلى الاحتماء منهم".

إن تعليم البشر كي يعيشوا معا "معركة طويلة"، بنظر الكاتب، فهي تستلزم بالضرورة "تفكرا صافيا وتربية ماهرة وتشريعا مناسبا ومؤسسات ملائمة".

إن صراع الحضارات برأيه، "ليس نقاشا حول مزايا إيراسم وابن سينا والكحول والحجاب أو النصوص المقدسة، وإنما هو زوغان كروي نحو كره الأجنبي والتمييز العنصري والتنكيل الإثني والمجازر المتبادلة، أي نحو تآكل كل ما يشكل الكرامة الخلقية لحضارتنا الإنسانية".

ولذلك، يتابع المؤلف، "فإذا ما تمادى العداء الحالي بين مختلف القبائل العالمية، وتواصلت كل أنواع الاختلالات، سيشهد العالم خلال هذا القرن، تفتتا للديموقراطية وللحالة القانونية ولجميع القواعد المجتمعية".

يمكنكم مشاركة هذا المقال