تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

"العرب وتحديات التحول نحو المعرفة والابتكار"

معين حمزة، عمر بزري، مؤسسة الفكر العربي، بيروت، 2021، 424 ص.

يَعرض هذا الكتاب لمؤشرات وأسباب التراجع العربي في مجال العلوم والابتكار، قياسا إلى واقع التنمية بالبلدان العربية، ثم إلى منظومة التعليم العالمي والبحث العلمي بها.

يرجع المؤلفان مكامن الخلل الحقيقية، في التركيبة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات العربية، وتأثير ذلك على مستوى الحضور العلمي والتكنولوجي في هذه المجتمعات. إحدى هذه المكامن يعود إلى غياب أطر التخطيط وانعكاس ذلك على مستوى الحضور العلمي بداخل هذه المجتمعات وبخارجها. من هنا التوصية الأولى بضرورة بناء قدرات علمية وفكرية، يكون من شأنها بناء بديل استراتيجي الذي هو "التنمية المستدامة، القائمة على التكنولوجيا الحديثة وحسن استثمارها، للتنعم بمَخارج تطبيقاتها على الصعد كافة".

صحيح، يلاحظ المؤلفان، أن العديد من السياسات قد اعتمدت في هذا البلد العربي أو ذاك، لكنها لم تؤت أكلها في معظمها، والسبب هو "غياب البيئة الملائمة. فالبناء المعرفي يحتاج إلى بيئة علمية ووطنية مستقلة اجتماعيا وسياسيا، بعيدة عن الفساد والأفكار الظلامية، والموروثات البالية، تكون نظم التعليم فيها معاصرة، يتشارك في صناعتها أبناء تلك المجتمعات من دون عوائق جندرية، أو عوائق أخرى من أي نوع كانت، بيئة صحية متكاملة توفر لها حوكمة رشيدة تحسن إدارة واستثمار عناصر القوة التي تتمتع بها الأمة، من الثروة البشرية إلى الثروة المالية وصولا إلى المؤسسات العلمية الجامعية والبحثية".

وهذا يتطلب بنظر الكاتبان، توافر الشروط التالية:

°- إيجاد أنماط جديدة من العلاقة ما بين صناع القرار السياسي والأكاديميين، وذلك "بعيدا عما هو قائم اليوم من استتباع مَنبوذ أو ريبة متبادلة أو ثقة ناقصة. لأن ذلك يولد حالةَ تراخ وتراجع في أعداد الباحثين الأكفاء، واختناقا في التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، أخطر مَظاهره استسهال التلقي واستحالة الإبداع". وهذا يستوجب تحديد الاستراتيجيات العلمية بدقة وسن تشريعات تمنح الباحثين "هامشَ الحرية المطلوب، وتعطي مؤسساتهم الجامعية والبحثية استقلاليتها".

°- "إسقاط مختلف الحواجز أمام التبادل الأكاديمي والمعرفي بين البلدان العربية، وإيجاد كتل علمية حرجة، تطل على مروحة واسعة من الاختصاصات، عبر شراكات علمية جدية بين المؤسسات البحثية العربية ببعضها البعض، وبين مثيلاتها في العالم أجمع"، لأن ما هو متوافر غير كاف بالمرة.

°- "إعطاء الثروة البشرية المتصاعدة، وبلداننا العربية من أكثر البلدان شبابا، الاهتمام الثابت والمدروس، عبر التشديد على تنمية المهارات وتمكينها والتعلم والتربية والثقافة والفنون، والاهتمام بتعليم اللغات الحية، والتركيز على اللغة العربية بما يحفظ شخصية الهوية العربية وتراثها".

نجد بالكتاب العديد من المعطيات الإحصائية والبيانات الدولية الموثقة، التي تبين تدني مستويات إنتاج المعرفة لدينا وتراجع منسوب البحث العلمي والابتكار. وهي معطيات مهمة للمقارنة، لأنها تبين كيف استطاع الغرب تطوير نظمه العلمية والبحثية، فيما أخفقنا نحن في ذلك لأسباب لم تعد خافية على أحد، وهو ما يجعل السؤال التالي مشروعا وحقيقيا: "لماذا تتوسع مظاهر الفقر والتخلف والجهل داخل جسد الأُمة الغنية بمَواردها وبمساحاتها الجغرافية المترامية وبتاريخ عميقٍ مدعاة للفخر، وهل هذا قدر لا مفر منه؟".

ليس قدرا بالقطع، يؤكد الكاتبان. لكنهما يستدركان بالقول بأن "السبيل للتخلص من تلك الآفات يقتضي تشخيص أسبابها بموضوعية وصدق"، لأن التشخيص إياه هو الذي من شأنه تبيان  عوامل التراجع، والذي "يلخص دوما بعجز منظومات التعليم العالي ومراكز الأبحاث والابتكار عن الاستيعاب الكافي للتكنولوجيا المعاصرة، على الرغم من المحاولات الحثيثة والنجاحات المحدودة في هذا الإطار، فضلا عن ضرورة توظيفها لتأمين نِسب معينة من الأمن الغذائي والمائي والصحي والبيئي، وكذلك معالجة مشكلات العرب الطارئة... إضافة إلى مشكلات اجتماعية لها علاقة بتحديات التنمية المستدامة والانتقال من اقتصاد الريع التفاضلي والاتكال على الموارد الطبيعية بشكلٍ شبه كامل، إلى اقتصاد المعرفة وتنوعه".

يمكنكم مشاركة هذا المقال