تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

"إلى أين يسير العالم؟"

إدغار موران (ترجمة احمد العلمي)، الدار العربية للعلوم، ناشرون، بيروت، 2009، 100 ص.

يبدأ إدغار موران كتابه بالقول التالي: إن "المشتغلين باستشراف المستقبل شيدوا مستقبلا خياليا انطلاقا من حاضر مجرد. فالحاضر الزائف المسمن بالهرمونات حل بالنسبة إليهم، محل المستقبل، والأدوات الفظة والمبتورة والباترة التي كانت تساعدهم على إدراك الواقع وتصوره، أعمت بصيرتهم لا عن رؤية ما ليس متوقعا فحسب، بل وعن رؤية ما هو متوقع".

بالتالي، فهو يرى أنه من الضروري من أجل وضع تصور دقيق للصيرورة التاريخية، أن نحل تصورا مركبا محل التصور التبسيطي السائد. والحكمة من ذلك أن "التصور التبسيطي يعتقد أن الماضي والحاضر معلومان، وأن عوامل التطور معلومة، وأن مبدأ العلية مبدأ خطي، والمستقبل يمكن انطلاقا من ذلك التنبؤ به".

بيد أن "هناك دائما عملية تفاعل تبادلي بين الماضي والحاضر، حيث إن الماضي لن يساهم في معرفة الحاضر فحسب، وهو أمر بديهي، بل إن تجارب الحاضر تساهم في معرفة الماضي، ومن هنا تعمل على تغييره".

الماضي يشيد انطلاقا من الحاضر، وهذه النظرة الاسترجاعية تقوم باستمرار بمهمة استشرافية. بالتالي، "فمعرفة الحاضر تستوجب معرفة الماضي، التي تستوجب بدورها ضرورة معرفة الحاضر".

المستقبل يتولد من الحاضر وصعوبة التفكير في المستقبل هي صعوبة التفكير في الحاضر: "الانعماء تجاه الحاضر هي التي تجعلنا بالفعل لا نبصر المستقبل".

وعلى هذا الأساس، فإن المستقبل بنظر الكاتب، إنما سيكون "خليطا مجهولا من الأمور المتوقعة وغير المتوقعة، مع استحضار حقيقة أن التطور لا يخضع للقوانين ولا لحتمية متفوقة. إنه ليس ميكانيكيا ولا خطيا، ولا وجود لعامل مهيمن باستمرار يقود التطور".

صحيح يقول الكاتب، أن الواقع الاجتماعي متعدد الأبعاد، وهو يتضمن عوامل ديموغرافية واقتصادية وتقنية وسياسية وإيديولوجية، وبإمكان عامل واحد من هذه العوامل أن يكون مهيمنا على الآخرين، لكن هذه الهيمنة غالبا ما تخضع لعملية تدوير.

عندما يتأمل الكاتب واقعنا الحالي، يلاحظ أن "فكرة الأزمة قد أصبحت هي نمط وجود مجتمعاتنا، وفكرة كون التقدم يحمل في نفسه خاصية أزماتية".

إن أزمة الحضارة في المجتمعات الغربية هي في نظره، أزمة ثقافة وأزمة قيم وأزمة عائلة وأزمة دولة وأزمة حياة حضرية وقروية...الخ. هذه الأزمة تجد تجلياتها الكبرى في التطور التقني، إذ إن "الفكر التقنوقراطي لا يتصور ما هو حي بشكل أنتروبولوجي واجتماعي، إلا حسب منطق تبسيطي للآلات الصناعية، وكفاءة التقنوقراطية هي كفاءة الخبير...ولا يمكن للفعل التقنوقراطي أن يكون سوسيولوجيا وسياسيا، إلا فعلا مبتورا وبتارا".

هذه الأزمة أفرزت ولا يمكن إلا أن تفرز بربرية جديدة، تعمل على إحياء البربرية القديمة. إنها أيقظتها وأحيتها.

هذا التوجه هو الذي يضعه المؤلف ضمن نطاق احتمال ما يسميه التحطيم الذاتي لحضارتنا. وإذا تحقق هذا التحطيم، فإن دور السياسة والعلم والتقنية والإيديولوجيا سيكون دورا أساسيا، في حين لو وصلت السياسة والعلم والتقنية والإيديولوجيا إلى درجة الوعي بذلك، فبإمكانها أن تنقذنا من هذه الكارثة وتحول شروط المشكل".

نافذة "قرأت لكم"

1 غشت 2024

 

يمكنكم مشاركة هذا المقال