تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

"ذكرى 20 فبراير...عندما نحارب الفساد، فينبعث لنا المسخ"

عندما اندلعت "أحداث" 20 فبراير في العام 2011، كان العالم العربي بمجمله تحت فوهة بركان، في مصر وتونس ثم في ليبيا وسوريا. قيل حينها إن موجة من "الربيع العربي" قد حلت، وأن النظم الكليانية لم تعد تساير الشعوب ولا هي بالقادرة على ردعها، وقد بلغ منها الفقر والقمع مبالغ لم تعد تنفع معها حملات التطمين، ولا خطابات الأمل.

جاءت 20 فبراير في هذا السياق العام، رافعة مطلب الديموقراطية والحق في العيش الكريم، فاتخذت لها شعارا معبرا: "إسقاط الفساد". تم في حينه تحديد من يثوي خلف الفساد، بالإسم والصفة، وكانت اللافتات تحمل أسماءهم وصورهم، والحناجر تصدح بضرورة رحيلهم.

قلنا وقتذاك إن الدولة مطالبة بالتجاوب، لأن الشرعية قد أسقطت على رموزها الكبار. وكان عليها أن تأخذ المطالب مأخذ الجد. ولذلك، كانت مباشرة الإصلاح الدستوري هي البادرة التي خففت نسبيا من شدة الاحتقان بالشارع، وفسحت في المجال لبعض من الأمل في القادم.

لا مجال هنا للعودة من جديد، للحديث في ظروف وتداعيات خفوت إشعاع الحركة. إذ الثابت أنها اخترقت واتخذت مطالبها كوسيلة تم ركوب ناصيتها للتحايل عليها والإجهاز على صدقيتها. حتى إذا جاءت الانتخابات التشريعية التي تلت اعتماد دستور العام 2011، "قرصن" حزب العدالة والتنمية شعار الحركة ("إسقاط الفساد والاستبداد")، واتخذ منه رافعة لحملته الانتخابية ولحصوله على مقاعد بالبرلمان بوأته تشكيل حكومة أولى ثم حكومة ثانية، نكاد نجزم أنها أفرغت مطالب الحركة من مضمونها في الشكل وفي الجوهر.

بعد 12 سنة على 20 فبراير، وفي ظل حكومة انتخابات العام 2021، تبدو الحصيلة سلبية والأفق قاتم. لقد تم الإجهاز على الأحزاب السياسية، حتى بتنا غير قادرين على التمييز بينها، وليس بمستطاعنا وضع الفواصل فيما بين ما يصدر عنها من خطابات. وتم تدجين النقابات، حتى باتت تتماهى مع السياسات الحكومية، في ضرب من ضروب التواطؤ الذي لا يمكن أن يغفله ملاحظ. وتمت محاصرة التنظيمات والجمعيات المدنية، حتى ضاق بها الحال ولم تعد تستطيع الحركة، فما بالك الفعل المباشر على الأرض. وتم تطويع المثقفين، حتى باتت الغالبية ضمنهم تبحث لها على موطئ قدم بالسلطة، يضمن لها جزءا من غنيمة لن تدركها بمواقفها أو بمناهضتها لما تقوم به الدولة...وهكذا.

بامتداد لذلك، تم تهشيم التعليم وتقويض مرافق الصحة وتدمير مقومات المرفق العام الذي لطالما تفاخر به المغاربة، واحتموا به لمواجهة الفاقة والهشاشة والفقر. وتم استصدار مرفق القضاء، حتى بات المغاربة لا يثقون في نزاهته ولا في عدله، جراء ارتهانه "لتيار" المحسوبية والزبونية والموالاة. أما الصحافة، فقد هشمت لدرجة لم يعد لها من أثر كبير يذكر، بعدما تمت مطاردة أنشط عناصرها واعتقال البعض الآخر، نظير "النفخ" في منابر جديدة، لا يدري المرء عن أية رسالة تدافع.

تم تجريف كل شيء تقريبا، حتى بتنا نشتغل في أرض بوار، لا تنبت زرعا ولا تصلح لرعي. لقد تم الترتيب لذلك دون أدنى شك، بصيغة تضمن عدم عودة الحركة أو بروز مطالبها من جديد. ويبدو أيضا أن "النخب الجديدة" التي تم استنابتها من عدم، هي التي أوكلت لها المهمة. لذلك، تراها تتماهى مع خطاب الدولة، وتروج له بالمنابر التي تم تفريخها كالفطر.

لم تعد ثمة ساحات للنقاش حقيقية، لأن هامش الحرية قد ضاق، تماما كما ضاق صدر الدولة بالوقفات الاحتجاجية التي أضحت تحاصر أو تمنع أو لا يتم الترخيص لها أصلا.

قد لا يبالغ المرء كثيرا إن قال، في الذكرى 12 لحركة 20 فبراير، إن ثمة حالة من الإحباط شاملة وعامة، تضببت في ظلها الرؤية، لدرجة لم يعد "العارف"، فما بالك بالعامة من الناس، يدرك المآلات. لقد امتزج المال بالسلطة، وباتت السياسة رهينة الريع والفساد، وأضحى الكل مع الكل ضد الكل. لم نعد نعرف بالضبط أين تبدأ السياسة وأين تنتهي، وأين يبدأ المال وأين ينتهي. اختلطت المقاييس واختلت الموازين، فبتنا نعيش زمن المسخ بامتياز.

يمكنكم مشاركة هذا المقال