تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

"هل انتهت سنة 2022 حقا؟"

يقال عن العام 2022: سنة ومرت...الفاصل في هذا القول هو أن دخول العام 2023، إنما هو مؤشر كاف للقول بأن السنة التي سبقتها قد انتهت، باتت من الماضي ولم تعد تعنينا إلا من باب استحضار هذه الذكرى أو تلك.

هذا قول في جزء منه صحيح، إذ قدوم سنة هو بالضرورة من انصرام أخرى، بالمقياس الزمني العام ومن منطلق توالي الأيام والسنين. وهو قول صحيح أيضا من زاوية أن السنة التي تمضي و"تقضي"، تصبح حتما من الماضي، فيما السنة الجديدة هي إذا لم تكن من الحاضر المعاين، فهي حتما من الجاري الذي يفرزه تدافع الخلق فيما بينها، حتى إذا حلت السنة التالية، يصبح الجديد بدوره ماضيا، وهكذا.

بيد أن السنين لا تتوالى دائما بهذه الصيغة، إذ غالبا ما تكون محكومة ومنظومة بخيط رفيع، يخترقها ويضمن لها الاستمرارية في الزمن، أو يؤشر على القطيعة إذ استجد ما يدعو لذلك ويستوجبه. إنها تبقى مجتمعة، خاضعة لسياق عام يحكم طبيعتها ودرجتها ومنسوب حركتها.

ليس من السليم الادعاء بأن العام 2022 قد انتهى، تماما كالادعاء بأن السنين التي سبقته قد انتهت. هناك صيرورة تاريخية لا يمكن بمقتضاها "سلخ" هذه السنة عن تلك، سواء كانت سابقة لها أو لاحقة عليها. ومعنى ذلك أن السنة الماضية مثلا، غالبا ما تبقى مستمرة في السنة الجارية، وتبقى تداعياتها وتبعاتها حاضرة فيها وضمنها، بهذا الشكل أو ذاك.

لا يمكن للمرء أن يعتبر أن جائحة كورونا على وجه التحديد، قد ولت وانحسر مداها بانقضاء العام 2022. ولا يمكن للمرء الادعاء بأنه ولج العام 2023، وقد تعافى منها تماما ونهائيا وأبعد الخطر عن البشر إلى أقصى مدى. صحيح أن العديد من البلدان قد تعافت بسيطرتها على الفيروس وتحكمها في انتشاره، لكنها لم تنجح بعد في استشراف متحولاته الغريبة ومدى قدرتها الافتراضية على الفتك بالبشر وحشرهم في الزاوية، كما عاينا ذلك زمن "الحجر الكوني" الذي دخلت فيه بلدان العالم، حتى يئس الخلق وسلم أمره لآفات الطبيعة وجبروتها.

بالآن ذاته، ليس بإمكان المرء أن ينفي امتدادات الأزمة الاقتصادية التي عمت العالم تقريبا، جراء الحرب الروسية/الأوكرانية، وما ترتب عنها من اضطرابات في أسواق الطاقة والحبوب، وما نتج عنها من اشتداد التيارات الحمائية بين الدول وانكماش الاقتصادات الوطنية، دع عنك حالات التضخم وتراجع القدرة الشرائية، والعجز في الميزانيات، وانحسار أسواق الشغل والتجارة والتبادل بين الدول والمجموعات الاقتصادية.

ستستمر احتقانات العام 2022، وستمتد لتنضاف للأحداث المحتملة للعام 2023. إنها ستطبعها بقوة وستجعلها رهينة لأحداث لا يد لها فيها، ولا كانت من إفرازاتها، لا بل إنها مطالبة بتدبيرها.

من الوارد أن تتدبر الدول الأشكال الجديدة لمتحول كورونا، فقد باتت متمرسة على ذلك، إما بالصيغ الاحترازية المجربة، أو من خلال اعتماد المستجدات الطبية الكفيلة بالحد منها. ومن الوارد أيضا أن تتدبر الدول إياها أزماتها الداخلية، فتعمل على تخفيف الأعباء من خلال سياسات الحمائية أو الدعم أو الاصطفاف المؤقت. بيد أنها لا تستطيع مواجهة التحديات العالمية الكبرى التي تتجاوز الحدود وتنفر من الأطر القومية الضيقة.

والقصد هنا إنما القول بأن العام 2023، سيكون بالتأكيد عاما ستتضح فيه أكثر صورة "النظام العالمي" المراد تشكيله، لا سيما في ظل أو في أعقاب الحرب بين روسيا من جهة، وبين أوكرانيا والولايات المتحدة والغرب عموما، من جهة أخرى. من المؤكد أن تبعات هذه الحرب ستكون كبيرة، ليس فقط من زاوية موازين القوة العسكرية والجيو/سياسية بين "الطرفين"، بل أيضا من زاوية ما سيترتب عنها من تداعيات اقتصادية، سيكون للصين فيها كلمة الفصل.

لو استقرأنا تموجات العام 2023، من زاوية رؤية استشرافية خالصة، سيبدو أن بعد الاستمرارية هو الذي سيميز العام الجديد. سيستمر الاحتقان بين القوى الكبرى، وستستمر أزمة الطاقة والغذاء وستشتد الحمائية بين البلدان، لا سيما بإزاء بلدان الجنوب، وسيتقلص مدى المبادلات الاقتصادية في حده الأدنى.

لا يبدو أن سيناريو "إصلاح المنظومة" سيكون واردا، إذ ستبقى العلاقات الدولية محكومة فقط باحتمال الانفراج بين البلدان الكبرى، وهذا أمر مستبعد. الولايات المتحدة تتراجع وبلدان مثل الصين تتقدم، وبلدان أخرى كروسيا تراهن على استعادة دورها باعتبارها قوة عظمى. وهي كلها تطلعات متناقضة بعضها البعض، إذ لا يمكن أن تقوم إحداها إلا بنفي الأخرى، ولا يمكن أن تستمر إلا بالتوافق وبناء على تقاسم للنفوذ يرضي الأطراف مجتمعة.

أما سيناريو القطيعة، فيبدو مستبعدا. إنه يراهن على المدى الطويل ولا يكتفي بالاشتغال في أفق سنة أو سنتين. بيد أنه سيحمل حتما في عمقه مجريات ما وقع بالعام 2022، ثم بالعام 2023 وما بعده. لن يخرج العام 2023 إذن عن سابقه. سيمشي في ركبه حتى وإن بدا لنا أنه سيتميز عنه بهذه الجزئية أو تلك.

نافذة "قرأت لكم"

2 يناير 2023

يمكنكم مشاركة هذا المقال