تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

"مغاربة الشتات: المونديال والتحويلات"

معظم المغاربة يتابعون أطوار مونديال قطر، ويتطلعون لأن يكون لمجهودات الفريق الوطني وقع جيد على الأرض، أي على مستوى التأهل للأدوار التالية. تكاد الفروقات بين "الطبقات" الاجتماعية تذوب وتنمحي، على محك شعور وطني متأجج نادرا ما نعاين مثيلا له في فترة الشدائد.

قد لا يعثر المرء على مغربي واحد، بالمدن أو بالقرى، ميسور الحال كما البسيط المعدم، لا يتابع ما يجري في قطر، إذا لم يكن بالمتابعة اليومية المنتظمة، فعلى الأقل بالنقاشات العامة هنا أو هناك. نستشعر ألا شيء يعلو على مونديال قطر، وبأية صورة سيخرج بها المنتخب الوطني من التصفيات الأولية، كي يتسنى له التأهل لما بعدها من تصفيات.

بصرف النظر عن الحماس الشديد الذي يصاحب "مسيرة" الفريق الوطني، والآماد التي يمكن أن يبلغها، فإن ثمة أصواتا تتساءل عن الجدوى من "النفخ" في حدث سينتهي بنا المطاف إلى خسارة رهانه، عندما تشتد الإقصائيات وتتحول المنافسات النهائية لتنحصر بين "الكبار"، أي بين الذين سيصلون "حتما" نصف النهائيات وخواتمها.

وهو رأي صحيح، إذ ليس ثمة من شك في أن الأطوار النهائية ستكون من نصيب فرق مشهود لها بالقوة، ولا تختلف التوقعات حول احتمال تبوؤها المراتب الأولى إما بالحصول على الكأس، أو على مستوى الترتيب النهائي "للأبطال".

بيد أن المغاربة، وإن لم يراهنوا على المراتب الأولى، فما بالك بشرف الحصول على الكأس، راهنوا أكثر على جرعة من الفرح، في زمن عز فيه الفرح، تخرجهم ولو مؤقتا من واقع أزمة لم يألفوا مثيلا لها من قبل. لم تعد تكاليف المعيشة ولا أسعار المحروقات المرتفعة، من صميم انشغالات المغاربة. أدرجوها ضمن "الأولويات الثانوية"، التي لا حاجة ملحة لجعلها تفسد أجواء فرحة طارئة، ستطمر لا محالة ضمن الطارئ الجاري، إذا لم يتم التقاط لحظتها في الحين وللتو.

من المؤكد حقا أن لمشاركة المنتخب الوطني تكلفة مرتفعة، بمقياس ما تم صرفه على الفريق مباشرة، أو بمقياس ما رصد للأطر المصاحبة، دع عنك ما تحملته خزينة المال العام من تكاليف لتغطية رحلات عشرات الآلاف من المشجعين. ومن المؤكد أيضا أن ما تم تخصيصه للجوانب اللوجيستية والمادية الملازمة لتظاهرة من هذا القبيل، تعد مرهقة قياسا إلى المردودية المباشرة التي قد تترتب عنها. لكن مع ذلك، فالرهان كان أكبر من ذلك بكثير، من زاوية الانتشاء بفرحة ولو مؤقتة، تخرج الملايين من رتابة اليأس وانسداد الأفق التي نعاين.

بيد أن ثمة من يرى أن المغرب، على الرغم مما يتحمله من تكاليف، فهو يلعب بفريق ليس فريقه. هو فريق تم تجميع عناصره من أندية أوروبية في غالبها، تدرب من بين ظهرانيها هؤلاء الفتية، تدرجوا في مراتبها وباتوا من روادها. يذهب ذات الرأي حد القول بأن جامعة كرة القدم لم تفرز ضمن تكويناتها ما يستاهل أن يبارز في تظاهرات من هذا القبيل، فاكتفت باستجلاب لاعبين، معظمهم لا يتكلم العربية أو الدارجة، بالكاد بعض اللهجات التي عمل آباؤهم على تلقينها إياهم أو تعلموها في عطل آخر السنة، عندما يكونوا في زيارة عابرة للمغرب.

صحيح، يتابع ذات الرأي، أنهم من أصول مغربية خالصة، ولا يزال حنينهم قائما لبلدهم/الأصل، ولم يترددوا في حمل قميصه للتباري باسمه. وصحيح أيضا أنهم لم يقبلوا المجيء للحصول على تعويضات أو الظفر بامتيازات، إذ يحتكم معظمهم على "عقود عمل" بملايين اليوروهات. لكن ذلك ليس كافيا للقول بأنهم عناصر أفرزتهم مجهودات أندية محلية مغربية، أو تبنتهم جامعة كرة القدم للتباري. هم يمثلون "مغاربة الشتات"، ولا يمتون بصلة ل"مغاربة الداخل".

بهذا الرأي بعض من الوجاهة، لكن عيبه أنه ينفي على هؤلاء الفتية حبهم لوطنهم وارتباطهم به، واستعدادهم لعدم خذلانه، لا سيما عندما تشتد الحاجة إليهم، أو يطٍرأ ما يستوجب من لدنهم الوقوف بصفه أو الذود عن مقامه. من المؤكد أن من هؤلاء من ظلم، فاضطر لهجرة قسرية، عانى خلالها وكابر. ومن المؤكد أيضا أن منهم من حوصر وأهين ونبذ لأتفه الأسباب. لكن كل ذلك لم يثنيهم على تجاوز الجزئيات، إن كان في تجاوزها درءا للضرر وتثمينا للمصلحة.

بالمقابل، وعلى خلفية كل هذا وذاك، فإن آباءهم لم يتوانوا في زرع حب الوطن في نفوسهم، حتى وإن ظلموا هم الآخرين وتم الدوس على حقوقهم جهارا نهارا، وإلا فما معنى حرمانهم من حقهم في التصويت، ولكأنهم مواطنين من درجة ثانية.

نحن هنا لا نستخدم تعبير "مغرب الشتات" للتدليل على ما يذره مغاربة المهجر على خزينة الدولة كل سنة، ولا للإشارة إلى ما قدمه عناصر الفريق الوطني في قطر. إننا نسوقه هنا للقول بأن ثمة من الطاقات المغربية "المشتتة" في العالم، ما يمكنها بحق أن ترفع رأسنا عاليا. هي لا تحتاج لمال ولا تتطلع لسلطة. هي تبحث عن الإنصاف فقط، وبعض من رد الاعتبار.

نافذة "رأي في الشأن الجاري"

5 دجنبر 2022

يمكنكم مشاركة هذا المقال