طارق الذباخ، منى المطردي، المركز الديموقراطي العربي، برلين 2022، 304 ص.
إسرائيل كيان استعماري، استيطاني وصهيوني، يقوم على جمع شتات اليهود من كافة أنحاء العالم، وتوطينهم في إسرائيل بعد ما تسنى لها طرد أهلها الشرعيين. وعلى الرغم من ذلك، فقد رفض العرب الذين بقوا داخل حدودها للعام 1948، مغادرة أراضيهم...هم الذين يعرفون من حينه بعرب 48، حيث ينظر إليهم كأقلية، لكنها حجر عثرة في وجه المسعى الإسرائيلي لجعل دولة إسرائيل دولة يهودية خالصة.
حتى العام 1966، اقتصرت المشاركة السياسية لعرب 48، على التصويت على الأحزاب الإسرائيلية فقط، ولم يسمح بظهور أحزاب لهم قائمة إلا في العام 1988، حين تأسس الحزب الديموقراطي العربي على يد عبد الوهاب الدراوشة...بعد ذلك، تتالت عمليات إنشاء أحزاب عربية، حتى بات لها بالتدريج تواجد مميز بالكنيست.
والقصد بالأقلية، من منظور هذا الكتاب، يحيل على البعد الثقافي، إذ يكون المشترك هنا هو مقومات اللغة أو العرق أو الدين أو الطائفة، ثم أن تكون هذه الأقلية ذاتا واعية بتلك المقومات المشتركة.
معنى ذلك أن أعضاء الأقلية يجب أن يدركوا أنهم يشكلون جماعة تتميز بالاختلاف والتمايز، لكن في ظل الانتماء إلى الجماعة إياها...ويدركوا أيضا أنهم مجموعة من الأفراد ليست لهم الهيمنة أو السيطرة، لكنهم يدركون أنهم مختلفون عن الجماعة التي لها الأغلبية العددية. الأقلية بهذا المعنى، هي "مجموعة متميزة ثقافيا أو إثنيا أو عرقيا، تعيش ضمن مجتمع أكبر، يعطي الأغلبية امتيازات أكبر. الفارق في الحالات كلها، أن المواطنة والقوانين تحمي الجميع.
في الحالة الفلسطينية، عمدت إسرائيل منذ بداياتها الأولى إلى بناء دولة استيطانية، يهودية وعنصرية. فتراوح التعامل مع الأقلية العربية بين "السعي إلى الدمج والاستيعاب والتهويد بالمعنى الفكري الشامل، وبين الرغم في استئصال هذه الأقلية وطردها خارج الحدود الجغرافية والبشرية للمشروع الاستيطاني الصهيوني".
وعلى الرغم من مئات عمليات الطرد والتقتيل والتشريد التي طالت الفلسطينيين، فقد بقي العديد منهم متشبثين بالأرض، وهم الذين يسمونهم ب"فلسطينيي إسرائيل" أو "فلسطينيي 48" أو "الجماهير العربية داخل الخط الأخضر" أو "المجتمع العربي في إسرائيل".
وبصرف النظر عن تضارب التسميات، فإن الأقلية العربية تعتبر نفسها جزءا من الشعب الفلسطيني، "الذي بدوره هو جزء لا يتجزأ من الأمة العربية، كما أنهم بحكم الأمر الواقع مواطنون إسرائيليون".
الأقلية الفلسطينية داخل إسرائيل أقلية نشيطة (يعتبرونها "أقلية خطيرة")، وهي أقلية متشبثة بهويتها الدينية، الإسلامية والمسيحية، وبهويتها القومية العربية، باعتبار هذه الأقلية جزءا من الشعب الفلسطيني وبالتالي من الوطن العربي، ثم هويتها الوطنية الفلسطينية، إذ تمنحهم هذه الأخيرة "حق الوجود كأصحاب أصليين للأرض، وهي التي تجعل ارتباطهم بالوطن أكبر وأعمق من أي ارتباط آخر".
والأساس في كل ذلك، أن هذه الأقلية نجحت في ربط الهوية بالأرض، لذلك لاحظ الكتاب أن العديد ممن باعوا أرضهم تمت مطاردتهم واغتيالهم، لا بل ورفض دفنهم في مقابر المسلمين حتى.
من وجهة النظر القانونية، يذكر الكتاب بأن الأقلية العربية لم يكن لها مكان على مستوى المسؤوليات في الإدارة، ببداية دولة إسرائيل. ولم يكن يعين منهم وزراء أو وكلاء وزارات على الرغم من كونهم يمثلون 20 بالمائة من السكان. وهذا تمييز حقيقي بحقها، إذ تم إخضاعها للسلطة السياسية للإسرائيليين.
والسبب هو أن النظام السياسي السائد بإسرائيل، هو نظام قائم على التقاليد اليهودية في ممارسة السلطة. إذ هو انعكاس لسلوك اليهود المعروف، والقائم على "منطلقات الخوف والشك وكراهية الآخرين، اعتمادا على مصادر دينية وتصورات خاصة للتاريخ الإنساني عموما، وتاريخ اليهود بوجه خاص".
وهذا واقع يجعل الأقلية العربية تعاني من عدم وضوح السياسة الحكومية تجاههم، خاصة "في ظل الصراع الدائر بين دوافع الاندماج السياسي ضمن الأطر السياسية الصهيونية من جهة، وبين دوافع الانعزال والانطواء تحت إطار الأحزاب العربية الفاعلة، من جهة ثانية".
بالحالات مجتمعة، يبدو أن ثمة تناقضا جوهريا بين الديموقراطية واليهودية، وأن المواطنة الممنوحة للأقلية العربية لا توازيها تدابير قانونية أو قضائية تضمن حق المواطن العربي.
إن "صيغة الدولة تحددت كدولة يهودية أو دولة الشعب اليهودي، وهي تجسيد للأهداف الصهيونية الأساسية. ولا يزال هذا المبدأ يشكل أساسا للكيان الإسرائيلي، وتبريرا لوجوده في نظر الإسرائيليين".
من زاوية النظر السياسية، فقد رفض الفلسطينيون القبول بالكيان الإسرائيلي عندما أعلنت الدولة، لكنهم سلموا بمرور الزمن بضرورة تنظيم أنفسهم والعمل من داخل مؤسساتها، من خلال تشكيل أحزاب سياسية تمثل الأقلية العربية داخل المؤسسات.
وقد كان السبب في ذلك، يكمن في التغيرات التي طرأت على البنيات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية لهذه الأقلية، ثم موقف الحكومات الإسرائيلية من تشكيل الأحزاب العربية، ثم تطور الصراع العربي/الإسرائيلي وتوسع نطاقه.
وبحسب الخلفيات، فقد كانت هذه الأحزاب محكومة بداية باتجاه براغماتي خالص، استمر لغاية العام 1967، حيث بدأت سيطرة الفكرة القومية، ثم بعد ذلك وإلى منتصف الثمانينات، اتسمت بسيطرة النزعة الوطنية الفلسطينية، مصحوبة ببروز التيار الإسلامي.
يستعرض الكتاب نماذج من هذه الأحزاب كل حسب فترة اشتغالها، لكنه يشدد على أنها كانت تركز في معظمها على قضايا الأرض والهوية، لكن من داخل "المنظومة القائمة" وليس من خارجها، حيث باتت لأحزاب الأقلية العربية مقاعد بالبرلمان تمثلها وتنطق باسمها.
والنقطة المشتركة الأخرى أيضا أن تشكيل الأحزاب العربية لم يكن مرتبطا بجهد نضالي، بل كان نتاج تحول موقف النخبة السياسية، وشعور هذه الأخيرة بالخطر جراء تزايد الوعي لدى الأقلية العربية. أما المرحلة التالية (1987-2013)، فقد تميزت بمشاركة الأقلية العربية من خلال تشكيل تيارات سياسية مناهضة لإسرائيل، لا سيما في ظل الانتفاضة وتزايد الغضب الفلسطيني. لذلك، كان ممثلوها بالكنيست غالبا ما يتموقعون في المعارضة، باستثناء من يشارك في الائتلافات الحكومية.
وقد كانت مطالب هذه الأحزاب في حينه، متمركزة حول مطلب المساواة والاعتراف بحقوق الأقلية العربية، وإلغاء القوانين التمييزية، وإيقاف المستوطنات مع إخلاء ما تمت مصادرته في أعقاب حرب العام 1967.
وعلى الرغم من الهامش التمثيلي الذي تتمتع به هذه الأحزاب، فإنها استطاعت التعبير عن حجم معاناة الأقلية العربية، "جراء تمسك الجماعة الاستيطانية بسياستها العنصرية من جهة، ولكي تحمي الوجود العربي سكانيا وحضاريا، من جهة ثانية".
نافذة "قرأت لكم"
20 أكتوبر 2022